إمكان دخول الجان في جسم الإنسان


فقبل أن أستطرد في تفصيل ما سبق وإضافة الجديد، وجدت انه من الواجب علي أن أضيف ردا على تساؤول قد يطرحه البعض، وهل من الممكن دخول الجن في جسم الإنسان؟ وهل المس والصرع الناتج عنه حقيقة أم لا؟

المس في اللغة
مسست الشيء أمسه مسًا إذا لمسته بيدك، ثم استعير للأخذ والضرب لأنهما باليد، واستعير للجماع لأنه لمس، وللجنون كأن الجن مسته؛ يقال: به مس من الجنون. والمس: الجنون. ورجل ممسوس: به مس من الجنون. ومسمس الرجل إذا تخبط وفى التنزيل العزيز: كالذي يتخبطه الشيطان من المس؛ المس: الجنون. ( )

وهو ما يطلق عليه العامة من الناس (ممسوس، ملبوس، لابسه عفريت، عليه عفريت، راكبه عفريت، معفرت)، وهو عموم سيطرة الجن على جسد الإنسان سواء داخليًا أو خارجيًا، والأدلة النقلية والعقلية تثبت ذلك .

الأدلة من القرآن الكريم:
قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]، (أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أن يقوم قياما منكرًا)، ( )

قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]

قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41].

قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (الأعراف: 201 ) 0

قال ابن كثير : ( إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد 0 وقيل : بينهما فرق 0 ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ) ( تفسير القرآن العظيم – 2 / 267 ) 0

الأدلة من السنة الشريفة:
وعن عطاء بن أبى رباح قال: (قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإنى أتكشف، فادع الله لي، قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. ( )

فهذه الصحابية الجليلة رغم أنها مبشرة بالجنة جزاء صبرها، إلا أن شدة إيمانها لم تمنع القدر من إصابتها بالمس الشيطاني، ومما يؤكد أنه من الشيطان ما ذكره البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: (إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتى أستار الكعبة فتتعلق بها). قال الحافظ: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط).( )

عن عثمان بن أبى العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدرى ما أصلى، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن أبى العاص: قلت: نعم يا رسول الله قال: (ما جاء بك؟) قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدرى ما أصلى، قال: (ذاك الشيطان، ادنه؟) فدنوت منه فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال: (اخرج عدو الله)، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: (الحق بعملك)، قال: فقال عثمان فلعمري ما أحسبه خالطني بعد.( )

وعن يعلى بن مرة قال: لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا ما رآها أحد قبلى، ولا يراها أحد بعدى، لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبى لها فقالت: يا رسول الله هذا صبى أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدرى كم مرة، قال: (ناولينيه؟)، فرفعته إليه، فجعلته بينه وبين واسطة الرحل، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال: (بسم الله أنا عبد الله إخسأ عدو الله)، ثم ناولها إياه، فقال: (القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل)، قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، فقال: (ما فعل صبيك؟)، فقالت: والذى بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال: (انزل فخذ منها واحدة ورد البقية).( )

عن أبى اليسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من التردى، والهدم، والغرق، والحريق، وأعوذ بك أن يخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرًا، وأعوذ بك أن أموت لديغًا).( )

عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها)، ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم ((وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتِهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).( )

وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثائب أحدكم فليمسك بيده فإن الشيطان يدخل).( )


من مجموع ما سبق نستدل إمكان حلول الجن في بدن الإنس بدلالات عديدة:
1- ورد في الآيات السابقة ذكر المس، ويثبت أن الصرع فرع من المس، وهو خلاف الصرع الطبي.

2- ومن حديث ابن عباس يثبت تحكم الجن بالجسد، فأم زفر رضى الله عنها عندما يتخبطها الشيطان تكون فاقدة للوعي مسلوبة الإرادة، بحيث أن الخبيث يجردها فلا تستطيع ستر نفسها، أو رده عنها، وإلا فلماذا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فادع الله لى أن لا أتكشف؟)؟

3- ومن حديث عثمان ابن أبى العاص يثبت دخول الجن في جسد المحسوس بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم (اخرج عدو الله)، فالخروج يقتضي إمكان دخول الجن في الجسد، ويثبت أن الذي في دخل الجسد شيطان قول النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك شيطان)، وما كان عند الصحابي الجليل لم يكن صرعًا كالذي كان عند الصحابية الجليلة أم زفر، ولكن كان يعرض له شيء في صلاته حتى ما يدرى ما صلى، وهذا يثبت أن ليست كل حالات المس من نوع الصرع فقط، ولكن نتيجة المس تختلف من حالة إلى أخرى، وأن المس يؤثر على سلامة العبادات.

يقول العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 2918 ) 0

4- ومن حديث يعلى بن مرة يثبت حدوث المس عند الأطفال، بدلالة أن الصبي كان يؤخذ في اليوم عدة مرات، وبدلالة قوله صلى الله عليه وسلم للشيطان الذي في الصبي (اخسأ عدو الله).

5- ويثبت المس بتعوذه صلى الله عليه وسلم من تخبط الشيطان له عند الموت، وكما تبين فتخبط الشيطان إذا مسه بخبل وجنون، ويتضح جليًا إمكان حدوث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة قبل أن يعصمه الله من الناس، وإلا فلماذا كان يستعيذ بالله من حدوثه؟! وإن كان ممكنًا أن يحدث ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العصمة، وللصحابة كما تبين، فيصح أن نكون أقرب لذلك منهم، لأننا بلا شك أدنى منزلة، والشيطان أقرب إلينا منهم، فإن شاء الله تعالى أن يصاب أحد بالمس فلا راد لأمره، وربما أن هؤلاء الصحابة كانوا مصابين بالمس قبل دخولهم الإسلام، ثم ظهر عليهم المس نتيجة تأثر الشيطان بعبادتهم.

6- ويثبت لنا أن جميع الخلق يمسهم الشيطان، لم يفرق النص بين نبي ولا غير نبي، وقد خرج من القائمة اثنان مريم وابنها عليهما السلام بفضل دعوة امرأة عمران.

7- ما منا أحد إلا ويتثاءب، وهذه حالة من حالات المس غير مصحوبة بصرع، لأن الشيطان يدخل في الجسد من خلال فم المتثائب، لذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسك بأيدينا حتى لا يدخل، وكلمة (يدخل) تفيد قدرة الجن على اقتحام أجسادنا، والإمساك باليد على الفم يدل على عدم قدرة الشيطان على اختراق الحواجز والسدود، وأن الدفع باليد يؤثر في الجن فيمكن إيذائهم والتصدي لهم بالضرب والقتال (هذا إن تبدوا لنا)، لذلك أرى استحباب أن يكون المعالج قوى البنية، لا أن يكون هزيلاً تستضعفه الجن والشياطين، هذا إلى جانب أهمية قوة دينه وعلمه وقلبه، وبناء عليه لا أنصح النساء بمزاولة العلاج.

أقوال أهل العلم:
قال محمد بن سيرين : ( كنا عند أبي هريرة – رضي الله عنه – وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط فقال: بخ بخ ، أبو هريرة يتمخط في الكتان ، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ، ما بي إلا الجوع ) ( فتح الباري – 13 / 303 ) 0

قال شيخ الإسلام ابن تيميه مقررا دخول الجن في بدن المصروع : ( وكذلك دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) 0 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ( متفق عليه ) 0
وهذا الذي قاله مشهود ، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما 0 والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله 0 وقد يجر المصروع وغير المصروع ، ويجر البساط الذي يجلس عليه ، وينقل من مكان إلى مكان 0 وتجري غير ذلك من الأمور ؛ من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي ، والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 277 )

قال ابن القيم : ( والفرقة الرابعة - يعني أهل السنة والجماعة - وهم أتباع الرسل ، وأهل الحق : أقروا بوجود النفس الناطقة المفارقة للبدن ، وأقروا بوجود الجن والشياطين ، وأثبتوا ما أثبته الله تعالى من صفاتهما وشرهما ، واستعاذوا بالله منه ، وعلموا أنه لا يعيذهم منه ، ولا يجيرهم إلا الله 0 فهؤلاء أهل الحق ، ومن عداهم مفرط في الباطل ، أو معه باطل وحق ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ( بدائع التفسير – 5 / 435 ، 436 ) 0

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : ( قلت لأبي : إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنس 00 فقال : يا بني يكذبون هوذا يتكلم على لسانه ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 277 ) 0

قال ابن حزم الظاهري : ( الشيطان الذي يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه مسا كما جاء في القرآن يثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ ، كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف منهم ، فيحدث الله عز وجل كذا الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده ، وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة ) ( الفصل في الملل والأهواء والنحل - 5 / 14 ) 0

قال الفخر الرازي : ( ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قاطعا بجواز وقوع ذلك من الشيطان ، بل وقوعه بالفعل ) ( التفسير الكبير - 7 / 89 ) 0

قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضا ، فإنهم يؤثرون على الإنس ، إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم ، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش ، وما أشبه ذلك، والعلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية مثل قراءة آية الكرسي ، فإن من قرأ آية الكرسي في ليله لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) ( مجموع الفتاوى – 157 ) 0

إصابة الأطفال بالمس:
من الممكن أن يصاب الصبية والأطفال الرضع بالمس، فتظهر عليهم علامات مثل البكاء المفاجئ والتشنج والعصبية والتخلف العقلي، وقد ثبت في السنة إمكان إصابة الأطفال بالمس، فليس أدل على ذلك من مشاركته لنا في الأموال والأولاد كما في قوله تعالى: (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) [الإسراء: 64].

وقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلمأحد الأطفال من المس، فعن يعلى بن مرة قال: لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلى، ولا يراها أحد بعدى، لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبى لها فقالت: يا رسول الله هذا صبى أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدرى كم مرة قال: (ناولينيه) فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال: (بسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله) ثم ناولها إياه فقال: (القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل) قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال: (ما فعل صبيك؟) فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال: (انزل فخذ منها واحدة ورد البقية).( )

ولتعويذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين من كل شيطان وهامة لفيه دلالة قوية على إمكان تعرض الشيطان للأطفال والصغار بالأذى، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: (إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة). ( )

وكذلك تعرض الشيطان للمولود عند ولادته فيستهل صارخًا فهو من تسلط الشيطان على الأطفال وإصابتهم بالمس، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها)، ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتِهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).( )