مصدر إنكار وجود الجن والمس عند الأطباء

يشكو كثير من الناس من رؤية شبح لأحد الموتى أو طيف لأحد الأحياء، سواء من أقاربه أو أصدقائه، أو في أشكال قبيحة مخيفة ومفزعة، ويتم هذا سواء يقظة أو منامًا، فيزعم البعض أنها روح فلان أو عفريت من الجن، فيعتقد أنها جاءت له من العالم الآخر للائتناس به ومصاحبته، ويكلمه ويحاوره، والحقيقة أنه رأى جنا، أو قرين أحد الأحياء أو الأموات، أي أنه رأى شيطانا.

وهنا يشخصها الأطباء النفسيين على أنها (هلاوس سمعية وبصرية)، ويستنكرون بشدة صلة هذه المشاهدات بعالم الجن، وإلا اعتبر المريض مختلا عقليا ويتم على الفور إيداعه المصحة العقلية، ويترتب على هذا حرمانه من حقوقه المدنية، ويتم الحجر عليه وعلى ممتلكاته بموجب حكم صادر من المحكمة شامل النفاذ، وهذا ضرر كبير جدا قد يلحق بمثل هؤلاء، لذلك يضطر أولياء أمر المريض التكتم على حالته، واللجوء إلى عالم السحر والشعوذة، ومثل هذه المكاشفات هي بالنسبة لنا كمعالجين علامة واضحة وشاهد قوي على إصابة المريض بمس شيطاني، ولهذا تفصيل علمي وتأصيل شرعي. وللأسف أن الأطباء المسلمين نقلوا العلوم الطبية من الغرب مصحوبة بفكر اليهود والنصارى ومعتقدهم، وهذا ما سوف نثبته هنا، قبل أن نستأنف الشرح حتى يزول الغموض حول ظهور الجن وتبديهم للإنس.

فالعرب كانت تعتقد في وجود أرواح الموتى (ففي شبه الجزيرة العربية كانوا يرون في الكهان الذين كانوا على اتصال بالجن أطباءهم الروحانيين، وكان من بينهم كهان يهود، ومنهم انتقلت إليهم معتقداتهم المحرفة عن الروح، وكان العرب يطلقون على روح المتوفى (الهامة)، وفيما أراه أن الهامة ما هي إلا قرين المتوفى، والذي قد يظهر للعيان أحيانًا في صورة المتوفى وبصوته، تمامًا كما يتم فيما يعرف بجلسات (تحضير الأرواح)، فالمستحضر يخدع الناس فيزعم أن القرين هو روح المتوفى، هذا انظلاقا من معتقد أهل الكتاب.

ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل كل ما يدور حول الاعتقادات الخاطئة عن أرواح الموتى من خرافات، فعن جابر‌ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا غول).‌( )

الجن:
(والجن: ولد الجان. ابن سيده: الجن نوع من العالم سموا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار ولأنهم استجنوا من الناس فلا يرون، والجمع جنان، وهم الجنة...والجني: منسوب إلى الجن أو الجنة).( )

فمن الثابت في كتاب الله تعالى وجود الجن، حيث سميت السورة الثانية والسبعون من ترتيب المصحف باسم (الجن)، وتكرر ذكر الجن في غير ما آية وسورة، فورد ذكر كلمة الجن 22 مرة، وكلمة الجان 7 مرات، وكلمة الشيطان 88 مرة، وكلمة الشياطين 17 مرة، وكلمة إبليس 11 مرة، وفي إحصاء لجملة ذكر الجن والشيطان وإبليس ومارد وقرين وعفريت سنجد أنها تكررت 147 مرة، على مدار 49 سورة من جملة 114 سورة، هي عدد سور القرآن الكريم، أي أن ذكر الجن تكرر بنسبة 43٪ من جملة عدد سور القرآن الكريم، مما يجزم بحقيقة وجودهم.

إبليس:
(أبلس من رحمة الله أي يئس وندم، ومنه سمى إبليس وكان اسمه عزازيل. وفى التنزيل العزيز: (يومئذ يبلس المجرمون). وإبليس، لعنه الله: مشتق منه لأنه أبلس من رحمة الله أي أويس.. وقيل إن إبليس سمى بهذا الاسم لأنه لما أويس من رحمة الله أَبْلَسَ يأسا. وقال أبو بكر: الإبلاس معناه في اللغة القنوط وقطع الرجاء من رحمة الله تعالى.. ).( )

وكلمة إبليس يقابلها Satan، وإن إبليس هو أكثر الجن شهرة في عالم الإنس، لما احتل ذكره من مساحة كبيرة في كتاب الله تعالى، وفي الكتب السماوية السابقة، في قصته المعروفة مع آدم عليه السلام.

وفي واقع الأمر أن إبليس هو أكثر الجن شهرة، وليس أكثرهم أهمية، ولا أشدهم خطورة، كما هو شائع في أذهان من لم يتعامل مع الجن تعاملاً مباشرًا، بل على العكس من ذلك تمامًا، على الأقل من وجهة نظر الجن أنفسهم، حيث يعدونه سفيههم، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) [الجن: 4]، حيث عده القرآن الكريم واحدًا من الجن، قال تعالى: (إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)[الكهف: 50]، وشهرة إبليس نشأت من تحذير المولى عز وجل من عداوته قال تعالى: (إَنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدَوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[فاطر: 6]، ومنشأ هذه العداوة من الحسد، عندما أمر رب العزة سبحانه وتعالى إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34]، فإبليس كان يرى بعين المادة أنه أفضل من آدم، وهذا النظرة العنصرية جاءت من جهة التمييز بين عناصر مادة الخلق الطين والنار، قال تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف: 12]، ليقع إبليس في هوة الحسد، وقد جهر بعداوته لآدم وذريته، حيث أقر أن محور هذه العداوة سيكون حول الإضلال والإغواء، لتلقى ذرية آدم نفس مصير إبليس جهنم وبئس المصير، قال تعالى: (قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنىِ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لأَتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ، وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ، قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا، لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف: 16-18].

الشيطان:
(الشاطن البعيد عن الحق.. والشاطن: الخبيث.. والشيطان معروف، وكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان .. وتشيطن الرجل وشيطن إذا صار كالشيطان وفعل فعله.. وقيل الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق).( )
فالشيطنة صفة خبيثة مذمومة قد تلحق بالإنس أيضًا، كما تلحق بالجن، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112].

أما كلمة شيطان Devil لدى النورانيين يقابلها كلمة Lucifer أي حامل الشعلة، وقد ترجمها البعض حامل الضوء، والشعلة هي مصدر الضوء المزعوم، حيث (اجتمع عدد من المرابيين والحاخامين والمديرين والحكماء، وقرروا أن يؤسسوا مجمعًا سريًا يعمل على تحقيق أغراضهم _ سموه ((المجمع النوراني)) The Illuminati. وكلمة نوراني مشتقة من كلمة ((لوسيفر)) Lucifer التي تعني ((حامل الضوء)) أو ((الكائن الفائق الضياء)) وهكذا فإن المجمع النوراني قد أنشئ لتنفيذ الإيحاءات التي يطلقاها كبار الحاخامات من لوسيفر [أي إبليس] خلال طقوسهم الخاصة.. وكان المجلس الأعلى للمجمع النوراني مؤلفًا من ثلاثة عشر عضوًا، ويشكل هؤلاء اللجنة التنفيذية لمجلس ((الثلاثة والثلاثون)) ويدعي رؤوس المجمع النوراني اليهودي امتلاك المعرفة السامية فيما يتعلق بشؤون الدين والعقائد والاحتفالات الدينية والطقوس، وكان هؤلاء هم الذين صمموا العقيدة الإلحادية المادية التي نشرت عام 1848 في ((البيان الشيوعي)) الذي كتبه كارل ماركس. كان عم ماركس حاخامًا من حاخامات اليهود ولكنه انفصل رسميًا من السلك الكهنوتي الأعلى عندما عينت له مهامه الكبرى).( )

وقد ورد ذكر الشيطان حامل الشعلة في السنة الشريفة، عن أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي وكان كبيرًا أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب وفيهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل، قال: (ما أقول؟) قال: (قل؛ أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن)، قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى.( )

وهذا مما يجزم بحقيقة اتصال النورانيين وعبدة الشيطان والسحرة بالشيطان وعبادتهم له، وهذا هو مضمون اعترافاتهم التي لا يخجلون من الاعتراف بها، والشيطان حامل الشعلة من أكثر نوعيات الشياطين التي قد يقابلها الطبيب الروحاني، وهؤلاء درجة عالية من الشياطين وبحاجة إلى معالج ذو خبرة وعلى علم واسع بعالم والجن الشياطين وعلى دراية كاملة بأدق تفاصيل أسرارهم.

وبالجمع بين قصة الشيطان الذي كان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين معنى كلمة الشيطان لدى النورانيين أي حامل الشعلة، سنتأكد أن الهدف من حرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينته بوفاته، بل قد امتد سعي الشيطان إلى ما بعد ذلك، لينال من اتباع شريعته الغراء ليحرق وجه الأمة ووجاهتها، فأسقطت سحرة اليهود عرش آخر خليفة مسلم وهو السلطان عبد الحميد في تاريخ 27/4/1908م.

لمزيد عن صلة السحر بسقوط الخلافة الإسلامية راجع هذا الرابط
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=138188



وبالملاحظة المتأنية ما يعرف (بتمثال الحرية) المنتصب أمام شاطئ مدينة (نيويورك New York) العاصمة الجديدة للماسونية في العالم، بعد أن كان مقرها القديم مدينة (يورك) البريطانية، وسميت بذلك الاسم (نسبة إلى دوق (يورك) الذي أصبح فيما بعد الملك جيمس الثاني، آخر من حكم بريطانيا قبل ثورة كرومويل البيوريتانية)، ( ) وهذا المثال ما هو إلا رمز ماسوني أهدته فرنسا إلى الولايات المتحد الأميركية، تعبيرًا عن الامتداد الماسوني من فرنسا إلى أميركا، يعد إعلانًا لانتصارها ورمزًا لتواصها، سنجد أن هذا التمثال يجسد صورة امرأة حامل، ترفع بيدها شعلة الشيطان، سنتأكد بذلك أن هذا التمثال ليس فقط رمزًا ماسونيًا، ولكنه رمز لإحراق شريعة محمد وسنته الشريفة، وإعلان لانتصار شريعة الشيطان، والتي يرمز لها بالكتاب الذي تحمله المرأة بيدها اليسرى وتضمه إلى قلبها، على شريعة الإسلام باعتبارها شريعة الحق الجديرة بعداوة الشيطان وأولياءه من أتباع الملل المحرفة، فمن الخطأ أن نصدق أن الشيطان عدو لليهود والنصارى كما هو دارج في كتبهم المضللة.


طبقا لهذه الصورة التي تحدد موقع تمثال الحرية جغرافيا فهناك سؤال محدد

إلى أين بالتحديد يصوب تمثال الحرية بالشعلة التي في يده؟ هل في اتجاه الكعبة المشرفة؟

للمزيد عن تمثال الحرية مفصلا راجع هذا الرابط

http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=141298


إنكار النصارى وجود الجن ويعدونهم (أرواحا شريرة):
إن تكتم اليهود والنصارى المتعمد، وشحهم في ذكر أي معلومات مرتبطة بعالم الجن، مرجعه إلى جحودهم لعلاقة الجن بالإنس، وهو ما قد يدحض فصلهم بين عالم الشياطين، وبين عالم الجن، وهذا انطلاقًا من عقيدة كتبهم المحرفة، أن إبليس ما هو إلا ملك ساقط سقط معه ثلث الملائكة، فرغم أن كتبهم تعج بالأساطير، إلا أنه لم يرد فيها ذكر عالم الجن بكثافة ما ورد ذكرهم في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

(ثم ظهرت آية في السماء، تنين عظيم احمر… وجر ذيله ثلث كواكب السماء وألقاها إلى الأرض. كانت حربا في السماء.. حارب ميخائيل وملائكته التنين، وحارب التنين وملائكته. ولكنه لم يكن قويا بدرجة كافية، فخسروا مكانهم في السماء. وألقى بالتنين العظيم إلى الأسفل - الحية القديمة المسماة إبليس او الشيطان الذي يقود كل العالم الى الضلال. القي به الى الأرض وملائكته معه) سفر الرؤيا 12: 3-9

الشرير، الشيطان، الأبالسة:
(يوضح النص بأن ثلث الملائكة تبعوا لوسيفر في ثورته. واصبح لوسيفر يعرف بالشرير أو الشيطان. وكما تظهر أسماء الله الصفات التي يتميز بها، تظهر كذلك أسماء لوسيفر شخصيته. إن الشيطان يعني الخصم أو العدو. والشرير يعني المتهم زورا أو السيئ السمعة. وأصبحت الملائكة التي أعلنت الثورة وتبعت الشيطان، تسمى أبالسة أو أرواح شريرة).

فمن المثير للدهشة غياب العلوم والأبحاث الجنية من دراسات علماء المسلمين على مدار حقب من السنين، هذا باستثناء دراسات عن دور الشيطان وكيفية دفع كيده ووساوسه، مثل (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) لابن القيم، و(مصائب الإنسان من مكائد الشيطان) للمقدسي، و(تلبيس إبليس) لابن الجوزي، أما عن العلوم الجنية فلم أعثر إلا على ثلاثة مصنفات فقط، مثل (لقط المرجان في أحكام الجان) للسيوطي، (آكام المرجان في أحكام الجان) للشبلي، و(هواتف الجان) لابن أبي الدنيا وهذا الكتاب أغلبه أحاديث ليست بالقوية، ويغلب على أكثرها الضعف والوضع.

وهذا يلفت انتباهنا إلى عدة أسئلة هامة جدًا وهي؛ من وراء تغييب العلوم الجنية؟ ومن وراء اختفاء ذكر الجن من التوراة والإنجيل رغم شهادة القرآن عليهم باتباعهم للسحر؟ وما هي الأهداف والمصالح من وراء هذا؟ ومن هو المستفيد من حملات الهجوم على (العلوم الجنية) ورفض الاعتراف بها؟ بالتأكيد أصابع الاتهام تشير جميعًا إلا شياطين الجن. هذا بخلاف السرية الشديدة المحاطة بهذه العلوم من قبل السحرة، لدرجة قد تصل إلى حد القتل سواء من أفشى سرها من الجن أو الإنس، أو من قبل الجماعات السحرية السرية، والمسيطرة على هذه الأسرار والمعرفة الباطنية.

الأنبا غريغوريوس يقول: (إن المعلومات المسيحية عن الجان محدودة، وحيث أن الجان لم يرد ذكره في الكتاب المقدس إلا في ثلاثة مواضع، ولكن الكتاب المقدس مليء بالآيات التي تتحدث عن الشياطين، وبذلك يبدو واضحًا أن الجان غير الشياطين، فهذه مملكة، وتلك مملكة أخرى، ويبدو أيضًا (وهذه معلومات من خارج الكتاب المقدس) أن عالم الجن مستويات مختلفة لهذه الجان، فالأعمال السحرية مثلاً يقال؛ أنها تكون في الطبقة السادسة من الجان، والعالم السفلي أو الجحيم إلى الجان، وعندما نصلي على الممسوسين نجد أن الجن ينطق ويقول بعض المعلومات التي قد تكون صادقة).( )

(وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يقتل. بالحجارة يرجمونه دمه عليه) [لا 20: 27].
(لا يوجد فيك من يجيز ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانًا أو تابعة ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك) [تث 18: 10_12].

(فقال شاول لعبيده فتشوا لي عن امرأة صاحبة جان فأذهب إليها وأسألها. فقال له عبيده هوذا المرأة صاحبة جان في عين دور. فتنكر شاول ولبس ثيابًا أخرى وذهب هو ورجلان معه جاءوا إلى المرأة ليلاً، وقال اعرفي لي بالجان وأصعدي لي من أقول لك. فقالت المرأة هوذا أنت تعلم ما فعل شاول كيف قطع رأس الجان والتوابع من الأرض. فلماذا تضع شركًا لنفسي لتميتها. فحلف لها شاول بالرب قائلاً حي هو الرب إنه لا يلحقك إثم في هذا الأمر) [ناحوم 3، 4].

(فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه. وأيضًا لأجل طلبه إلى الجان للسؤال. ولم يسأل من الرب فأماته) [1أخ 13:10، 14].

ومن المثير للدهشة أن يصرح الأنبا غريغوريوس باستنتاجه أن الجن عالم مغاير لعالم الشياطين، رغم أنه لا يجد للجن ذكر في الكتاب المقدس إلا في ثلاثة مواضع فقط، بل والطامة الكبرى أن معلوماته عن الجن غير كتابية، وذلك من قوله: (ويبدو أيضًا (وهذه معلومات من خارج الكتاب المقدس) أن عالم الجن مستويات مختلفة لهذه الجان)، فاستخدامه كلمة (ويبدو) يؤكد أن معلوماته التي يصرح بها عن عالم الجن استنتاجية، وأنه اعتمد على مصادر أخرى خلاف الكتاب المقدس. وبالتأكيد لا يوجد مصدر كتابي خلاف كتابهم المقدس ذكر تفاصيل شديدة الدقة عن عالم الجن إلا القرآن الكريم.

ففي الوقت الذي نجد أن الأنبا غريغوريوس قد وصل إلى استنتاج أن عالم الجن خلاف عالم الشياطين، سنجد أن ميخائيل اسكندر بكل جراءة ينكر وجود الجن كعالم مستقل، ويؤمن أن الجن والشياطين عالم واحد، وذلك في مستعرض إجابته عن سؤال مفاده؛ هل هناك جنس ثالث غير الملائكة والناس؟ فنجده يجيب قائلاً: (تؤمن المسيحية بأنه يوجد ملائكة أبرار، وأشرار (شياطين). وأما ما يردده البعض من أن هناك جنس ثالث في السماء يسمى (الجن) Gin (أو الجان)، ومنهم العفاريت والمردة الجبارة، والجنيات التي تسكن وتخطف وتتزوج بالبشر، (كما ورد في الأساطير الشرقية). فهي كلها ليست في الواقع سوى أرواح شريرة (شياطين) وليست بأجساد، ولا يمكنها أن تتزوج أو تتناسل، أو أن يكون بينها الجن المؤمن، وغير المؤمن، بل كلها شياطين هالكة (أرواح نجسة).

وعلى هذا فهو يجحد وجود جن نصراني يؤمن بالثالوث أو بألوهية يسوع، وغير ذلك من الأديان والملل، وينكر وجود جنس مكلف عدا الإنس، ثم نجد أن الأنبا غريغوريوس يستنتج خلاف ذلك، بينما القرآن الكريم يثبت صلتهم بشياطين الجن، وأنهم يتعلمون منهم السحر، فيقول تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة: 102]، ثم ينكرون وجود الجن، ويزعمون أن الشياطين ملائكة أشرار، رغم أن الشر منفي عن الملائكة، وهذا مفاد المعنى اللغوي لكلمة ملائكة، لقد فاقوا في قولهم الوثنيين، قال تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف: 19]، وهم العباد المبرؤن عن كل فحش ومعصية، فكيف يصفونهم بعضهم بأنهم شياطين؟‍! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

من المحال أن يخلق الله عز وجل جنسًا مكلفًا بالعبادة ثم يغفل ذكرهم في كتبه الموجهة لهم بالعبودية له عز وجل، لأن الكتب منزلة إلى جميع الأجناس المكلفة، وهم بالتحديد الإنس والجن، لذلك فمن المحال أن يقتصر ذكر الجن في التوراة والإنجيل على ثلاثة مواضع فقط، هذا إذا ما قورنت بغزارة ذكرهم في القرآن الكريم، والذي اشتمل ذكر الجن فيه على حوالي ثلث سوره على أقل تقدير، فالفارق شاسع جدًا. لذلك أرى والله تعالى أعلى وأعلم أنه ولابد هناك ثمة ذكر للجن أكثر من هذه المواضع المحدودة، وأنه قد تم شطبها عمدًا، إلا من هذه المواضع الثلاثة بعينها، خاصة إذا ربطنا بين مصلحة شياطين الجن من إخفاء ذكرهم من كتبهم، وبين تواصلهم بالجن من خلال السحر. وهذا يثبت إدانة أهل الكتاب بتغييب ذكر عالم الجن في التوراة والإنجيل عمدًا، ولصالح الشيطان وجنده، وهو ما يتعارض مع معتقداتهم الكتابية.

القمص سيداروس يقول: (لقد بدأ الشيطان يقنع لفيفًا من الناس بأنه غير موجود وأنه مجرد وهم وخيال،وأن وجوده ضرب من ضروب الأفكار الدنسة العجائزية [1كو 3: 20، يع 2:4]. وهكذا ينجح.. إنه يحاول مرة أن يقنع الناس بعدم وجود الله، حتى يقول الجاهل في قلبه: (ليس إله) [مز 14: 1]. فيدوس الوصية، ويسير بحسب هواه، ولا يخاف يوم الدينونة، وتتبدد مخافة الله من قلبه. ومرة أخرى يقنع البعض بأنه أي الشيطان غير موجود حتى يلقى كل منهم سلاحه ويطرح عنه أسلحة محاربة [أف 6: 11 _ 6] ويطمئن بعدم وجود عدو.. وحينئذ يظهر العدو بأنيابه الكاسرة، ومخالبه القوية وينقض عليه كفريسة محاولاً ابتلاعه. يستغل الشيطان إمكانيات عديدة موجودة في طبيعته لإسقاطنا؛ ككونه غير مرئي، فيرى فريسته ولا تراه الفريسة، ثم يشككنا في وجوده وقد يكون لنا ما يقنعنا بهذا الشك إذ أننا لا نراه كما يرانا، فهو القوي غير المرئي الذي يحفظ داره متسلحًا [لو 11: 21، 22]). ( )

وهذا مما أوجد خلافات متباينة بينهم حول تفسير الظواهر الروحية، والمتعلقة بعالم الروح والجن والملائكة والشياطين والقرائن، ولأنهم يطلقون على كل هؤلاء (أرواح) بدون تفصيل واضح للفوارق بنهم، ففي واقع الأمر لن يوفقوا في الوصول إلى رأي صائب، ولن يجتمعوا على قول واحد يفسر صلة الإنسان بهذه الأرواح، وتحديد مدى عمق العلاقة المتبادلة بينها، لأنه ببساطة ما بني على باطل فهو باطل. فقد تشكلت لجنة لتقصي موضوع الروحية سميت باسم (لجنة رئيس أساقفة كنتربري للتحقيق في الروحية)، وقد خرجت بتقرير أحيط بالسرية والتكتم.

هانن سوافر يقول: (وظلت اللجنة تجتمع لمدة عامين وتذهب إلى جلسات روحية عقد بعضها في منزل البارون إريك بالمستيرنا Erik Palmstierna وهو سفير سويدي سابق في لندن.. وبعد عامين من التحقيق قدمت اللجنة تقريرها. وكان منطوقه لمصلحة الروحية بأغلبية سبعة أصوات ضد صوتين.. وكان السبعة المؤيدون هم الأعضاء المعروفون جدًا في اللجنة بالنسبة للعضوين الباقيين: وهم رئيسها أسقف باث وويلز Bath & wells، والقس هـ. آنسون H.Anson رئيس الهيكل، والدكتور وليام براون William Brown العالم النفسي والمعرف، والدكتور و.ر. ماتيوز W.R.Matthews عميد كلية القديس بولس، والقس ل.و.جرينستد L.W.Grensted نائبًا عن رئي أساقفة يورك York، وب. إ.ساندلاندز P.E.Sandlands، ولادي ستيفنسون Stephenson (Gwendalen).

وشغل تقرير الأقلية المعترضة صفحات قليلة ووقع عليه اثنان فقط هما سكرتير أسقف باث وويلز، وقرينة أسقف دربي Derby. وقالا فيه أنهما يتحفظان في إبداء رأيهما، وإن بعض الكشوف المستقبلة ربما يمكنه أن يفسر الروحية.

أما تقرير الأغلبية فقد صيغ في أسلوب عال بمعرفة القس جرينستد الذي حصل على بيانات كثيرة عن طريق قريبة له وسيطة. وخلص التقرير إلى ما يلي: (لا يمكن تجاهل النظر إلى الروحية، لأنها تسد ثغرات في معلوماتنا، وهي تبين أن الاتصال بالموتى قد تم فعلاً. وبعد ترك المجال مفتوحًا أمام جميع التفسيرات والنظريات المتصورة يتبقى فائض لا يمكن تفسيره إلا على أساس من تداخل غير متجسد (أي روحي). ولم يكن بمقدورنا إثبات حصول ظواهر روحية فيزيقية، لأننا لم نشاهد بينات على التجسد، أو الصوت المباشر، أو المجلوبات. وعلى الكنيسة أن تعين هيئة من الناس تكون تحت إدارتها وتظل على صلة بالروحيين المسؤولين).

وكان من المقرر أن يظل هذا التقرير سرًا إلى الأبد. ولكن في يوم من الأيام أخبرني أحد الدبلوماسيين أن إجراء ما ينبغي أن يتخذ إزاء هذا التقرير السري، لأنه كان يعلم أنه في جانبنا، ورأى صورة منه، كما رأى آخرون صورته أيضًا فيما لم يعد سرًا. وعندما نشرت الوقائع في الديلي هيرالد ابتدأ الشغب. فبعد أن طلب الدكتور لانج (رئيس الأساقفة) من الصحافيين في شارع الصحافة أن ينشروه: (لأن من واجباتكم الأساسية إذاعة الأنباء كما قال لهم)، عاد بعض الأساقفة الذين استشارهم فنصحه بعدم نشر هذا التقرير الذي قدمته لجنته منذ سنة 1937. وظل الأمر معلقًا إلى أن تقرر إلغاء التقرير في سنة 1940.

وأبديت بطبيعة الحال أعذار مع التسليم بأن هذا التقرير (يحوي بيانات ثمينة عن شتى الظواهر التي تعنى بها الروحية). وقد احتفظ الدكتور لانج بالتقرير لمدة تتجاوز عامًا. وعندما أذيع سره اعتذر عن عدم إذاعته بأنه لم يصدر بالإجماع. أما رئيس اللجنة وهو أسقف باث وويلز فقد أخذته الحيرة عندما سئل عما إذا كان إلغاء التقرير جرى بسبب أنه جاء في جانب الروحية، فأجاب بأن التقرير كشف عن اختلاف جسيم في الرأي، وأنه يلزم المزيد من التحقيق).( )

وهذا الخلاف في الرأي يعني أن الكنيسة لا معلومات كتابية حاسمة لديها عن عالم الجن، أو حتى عن عالم الأرواح كما يزعمون، وأن لديها ثغرات في كتبهم، فكما ذكر التقرير أنه لا يمكن تجاهل النظر إلى الروحية، لأنها تسد ثغرات في معلوماتهم، أي أنها تسد ثغرات القساوسة المعلوماتية والتي مصدرها كتابهم المقدس، والحقيقة أن الأبحاث الروحية لا ولن تسد أبدًا هذه الثغور لديهم، لأنه لن يسدها إلا وحي منزل من الله عز وجل، والوحي الوحيد الذي زخر بذكر الجن هو القرآن الكريم، وليست الأبحاث الروحية المضللة، والتي يتلاعب فيها الجن بالروحيين، خاصة في غياب سند شرعي معصوم، ويؤكد هذا رد الأسقف باث وويلز رئيس اللجنة بأن التقرير كشف عن اختلاف جسيم في الرأي، وأنه يلزم المزيد من التحقيق! وأي تحقيق هذا الذي يطالب به، وهم لا يمتلكون سند كتابي؟! فهم متمسكون بعقيدة مضلِّلَة، لأنهم اكتشفوا حقائق ملموسة يستحيل إنكار وجودها، بينما لا تفسير لها في كتبهم، وربما تتعارض مع بعض نصوصهم، وهذا ما جعلهم في حيرة أفضت إلى التستر على نص هذا التقرير وإحاطته بالسرية، ليس لأنه لا دليل وهذا أدى إلى إثارة الامتعاض حتى بين بعض رجال الدين أنفسهم.