بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا ، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله .

أما بعدُ :

فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ r ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ .

إن مما عُلِمَ من الدينَ بالضرورةِ أن الله U مَنَّ علينا بإنزالِ كتابِه الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه إلى تلكَ الأمةِ وجَعَلَه خاتِماً لكُتبه مهيمناً عليها ، وضمَّنَه أفضلَ الشرائعِ على الإجمالِ في أغلبِ الأحيانِ ، ثم إنه تعالى جعلَ إنزالَ هذا القرآن على خاتمِ أنبيائه ورسله ، أرسلَه نبياً إلى الإنسِ والجانِّ وحمَّلَه مسؤوليةَ البلاغِ ، وأوحى إليه من الحكمةِ ما جعله بيَّنَ لنا ما أُنزِلَ إلينا أكملَ بيانٍ ، ثم إنه تعالى فرضَ علينا فرائضَ بعدَ إقرارِنا بعبوديتنا له وأنه ربُّنا لا ربَّ لنا سواه ولا نعبد إلا إياه وبأن محمداً عبدُه ورسولُه نُصَدِّقُه في الخَبَرِ ونُطيعُه فيما أمَرَ ونجتنبُ ما نهى عنه وزجرَ ونقتفي ما صحَّ عنه في الأثرِ ...

فكان ما افترَضَ الله علينا أعظمَ شعائرِ الإسلامِ ، والصلةَ بينه وبينَ الأنام ، ألا وهي الصلاةُ ، فأجملَ ذكرَها في كتابِه الكريم ، وأوحى إلى نبيه كلَّ ما يتعلَّقُ بها ، فعلَّمَنا ما أُوحيَ إليه ولم يَأْلُ في التعليمِ .

علَّمَنا رسولُ الله r أن نصليَ صلاتَنا المفروضةَ في المساجدِ ، وأن نصلّيَها في جماعةٍ يؤمُّنا أقرؤُنا لكتابِ الله ، وجَعَلَ لإمامِنا حقاً علينا وهو أن نَتَّبِعَه في ما يفعَلُ من أعمالِ الصلاةِ فقال r : " إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ به "([1])، وحذَّر r من تقَّدَّمَ ليصليَ بالناسِ فقال : " يُصَلّون لكم فإن أصابوا فلكم ( ولهم ) وإن أخطأوا فلكم وعليهم "([2])، فكان على الأئمةِ أن ينظروا كيف يُؤَدّون هذه المهمةَ الشاقةَ .

وكان مما حذَّرَ منه r الأئمةَ الإطالةَ بالناسِ في الصلاةِ ، وأمرَهم أن يقتَدُوا بأضعَفِهم وأن يُخَفِّفوا الصلاةَ بهم ، لأن منهم الضعيفَ والكبيرَ والمريضَ وذا الحاجةِ ، وهذا الأمرُ كَثُرَ فيه النزاعُ بين الأئمةِ والمصلينَ من عهدِ الصحابةِ إلى عهدِنا الحالي ، مما يتَسَبَّبُ في البغضِ بينَ الأئمةِ والمأمومينَ ويقطعُ أواصِرَ المحبةِ بين المسلمينَ .

ولما كان النبيُّ r هو المرجعُ الأولُ في البيانِ والمطَبِّقُ لحدودِ الله بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ ، وكان صحابتُه الكرامُ خيرَ من اهتدى بهديه وفَهِمَ مضمونَ أمرِه ونهيِه ، ذكَرْتُ في هذهِ الرسالةِ الموجَزَةِ سُنَّتَه r في ذلك وأردَفْتُها بما ثَبَتَ عن صحابته الكرامِ ، ثم أتبعتُه بما جاءَ عن تابعيهم لكونهم أهلَ خيرِ قرنٍ بعدَ الصحابة ، وذكرتُ في غضونِ ذلكَ كلاماً لبعضِ أهلِ العلمِ الذين نقتفي آثارَهم ونَنْهَلَ من ينابيعِ عِلمِهِم .

وأرجو الله جلَّ وعلا أن ينفعَ به كلَّ من يقرؤه ، وأن يصلحَ به ذاتَ البَيْنِ عندَ تشاجُرِ اثنين ، وأن يجعَلَه خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر لي خطئي وتقصيري ولوالدي ولمشايخي وللمسلمين أجمعين .

هذا وأرجو من كلِّ أخٍ ناصحٍ ألا يبخلَ عليَّ بالنصيحةِ ، وإذا وجَدَ في رسالتي عيباً أن يستدرِكَه بلطفٍ فإن الكمالَ لله وحدَه .

وصلى الله على حبيبِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .

كتبه

محمد بن رزق بن الطرهوني

المدينة المنورة

ص . ب : 1783


 

([1]) البخاري 2 / 173 .

([2]) البخاري 2 / 187 والزيادة لأحمد بنفس السند .