بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الدكتور محمد طرهوني في حوار حول تصريحات الشيخ العبيكان :

شرع من قبلنا ليس شرعا لنا قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا

يوسف عليه السلام كان نبيا كريما مقيما للعدل وليس عميلا للمحتل

إذا كان الفقه هكذا فالخوارج يستدلون بخروج الأنبياء على ولاة أمرهم

الذين لا ينصرون على أهل الميثاق ليسوا من أولياء الله ورسوله والمؤمنين

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد

فانطلاقا من مبدأ الحوار الذي سطع نجمه في الآونة الأخيرة نطرح في هذا العدد مسألة كثر الخوض فيها هذه الأيام عقب تصريحات أدلى بها فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان في وسائل الإعلام المختلفة واستدل لها بنصوص شرعية ونقول عن علماء من مفسرين وفقهاء وخالفه كثيرون من العلماء والدعاة في كثير من تلك المسائل ومن آخر ذلك البيان الذي أصدره قرابة ثلاثين عالما من علماء المملكة وجريدة المدينة استضافت في ورقة اليوم فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن رزق بن طرهوني أستاذ مادة التفسير وعلوم القرآن في كلية التربية سابقا وفي جامعة المدينة العالمية حاليا وصاحب المؤلفات المشهورة في التفسير وعلوم القرآن

طرحت الجريدة هذه الأسئلة على الدكتور محمد طرهوني وهي تتعلق ببعض الاستدلالات التي استدل بها الشيخ العبيكان من القرآن الكريم ومن ذلك :

_ فضيلة الدكتور محمد طرهوني كلنا نقرأ سورة يوسف ونعجب من أحداث القصة ووقائعها وقد استنبط الشيخ العبيكان من تولية حاكم مصر الكافر يوسف عليه السلام خزائن الأرض صحة ولاية من نصبه الكافر على المسلمين كما هو الحال في العراق فما رأي فضيلتكم في هذا الاستنباط ؟

أجاب الدكتور الطرهوني قائلا : غفر الله لأخينا الشيخ عبد المحسن العبيكان فشتان بين الحالين وما أبعد هذا الاستدلال عن الصواب بل لو لم نعرف عين القائل بذلك لقلنا إنه إما جاهل أو مدفوع الأجر ولكن كما قال كثير من العلماء من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب والشيخ ليس من أهل التفسير وغالب انشغاله بالقضاء الذي يستنفذ وقت القاضي ويشغله ولعله السبب في عدم ترقي الشيخ في الدرجات العلمية المتوفر سبيلها أمامه .

ومع وضوح الخلل في هذا الاستدلال لابد لنا أن نبين أوجهه حتى لا يغتر به أحد فنقول :

الرد على هذه الشبهة من أوجه ثلاثة :

الأول : جميع أهل العلم يعرفون أن هناك مسألة خلافية تسمى مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا ؟ والذي أجمعت عليه الأمة هو أن شرع من قبلنا إذا خالف ما ثبت في شرعنا فهو منسوخ به لامحالة .

وأما إذا لم يخالف فوقع فيه الخلاف والجمهور على أنه ليس شرعا لنا إلا إذا سيق مساق المدح والثناء .

قال النووي في المجموع 5/92 :  شرع من قبلنا للأصوليين من أصحابنا وغيرهم خلاف في الاحتجاج به إذا لم يرد شرعنا بمخالفته أما إذا ورد بخلافه فلا حجة فيه بالاتفاق .

وقال في روضة الطالبين 10/205 : واختلف أصحابنا في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بنسخ ذلك الحكم والأصح أنه ليس بشرع لنا .

وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 2/198 :  شرع من قبلنا ليس بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين

وقال ابن رشد في بداية المجتهد 1/312 : والخلاف في هل يلزمنا شرع من قبلنا مشهور

ورجح الآمدي في الإحكام 4/147 بعد أن نقل الخلاف المنع من ذلك فقال : وهو المختار واستدل له بأمور أربعة لا نطيل بذكرها

وذكره الغزالي في المستصفى1/165 في الأصل الأول من الأصول الموهومة التي ليست من الأدلة وهو شرع من قبلنا من الأنبياء فيما لم يصرح شرعنا بنسخه .

وكذا رده الرازي في المحصول

وذكره ابن قدامة في روضة الناظر 1/160 _ 161 في الأصول الأربعة المختلف فيها فقال  الأصل الأول شرع من قبلنا إذا لم يصرح شرعنا بنسخه هل هو شرع لنا ... فيه روايتان ثم ذكر سبعة أدلة على القول بأنه ليس بشرع لنا

 

وقال ابن حجر في فتح الباري 1/278 تعليقا على حديث : الاستدلال به مبنى على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف ولو قلنا به لكان محله فيما لم ينسخ

وقال 4/409  : وطريق الاستدلال به ينبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه والخلاف فيه شهير لكن يتقرر بأن النبي  صلى الله عليه وسلم  ساقه مساق المدح والثناء على فاعله وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا الطريق يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرع من قبلنا

قال ابن العربي :  لا ننكر أن النبي  صلى الله عليه وسلم  وأمته منفردان بشريعة وإنما الخلاف فيما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم اتباعه أم لا

 

ومن الأدلة على كون شرع من قبلنا ليس شرعا لنا قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا .

وقوله : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون .

وقد ذكر سبحانه عن بني إسرائيل أنه كان من شروط توبتهم من عبادة العجل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا وهذا محرم في شريعتنا أشد التحريم .

وذكر أيضا أنه تعالى حرم عليهم طيبات أحلت لهم فقال : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم

وقال : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم .

والنصوص في ذلك كثيرة

ولماذا نبتعد فإن سورة يوسف نفسها بها من أحكام بني إسرائيل التي لا تجوز في شريعتنا مواضع ومنها :

حكم يوسف عليه السلام بشريعة بني إسرائيل في استرقاق السارق حيث استرق أخاه بتهمة السرقة كما قال تعالى : قلوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين .

وأيضا السجود لغير الله حيث كان سائغا في شريعتهم كما قال تعالى : ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا .

والبعض يظن جهلا أن قوله تعالى : فبهداهم اقتده . المراد به فروع شرائعهم والذي لا خلاف فيه أن ذلك خاص بأصول التوحيد ونحوها والانصياع  لدين الله إجمالا

قال القرطبي 16/164 : ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح وإنما خالف بينها في الفروع حسب علمه سبحانه .

 

ولو سحبنا فقه العبيكان على مسائل أخرى لقلنا إنه يدعو إلى الخروج على ولي الأمر اقتداء بموسى عليه السلام حيث خرج على ولي أمره فرعون مصر و كانت مصر قد دانت له فخرج موسى عليه وأنكر عليه علنا وألب الناس ولم يرع تربية فرعون له ورعايته له وإنفاقه عليه .

وكذا ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما خالف والده واتهمه وقومه بالضلال ثم قام بتغيير المنكر بيده مفتئتا على ولاة أمره وأولهم والده فكسر الأصنام وكان يمكن أن يكتفي بالنصح والتوجيه والدعوة السلمية .

وكذا سائر الأنبياء في خروجهم على ولاة الأمر في زمانهم على حد زعم العبيكان

إلى غير ذلك من صور تدل على فساد هذا الفهم .

إذن لا يصلح الاستدلال بتلك القصة لأنها من شرع من قبلنا .

الثاني : لو سلمنا جدلا بأن شرعهم شرع لنا فالبعد بين الدليل والمستدل عليه بعد ما بين المشرقين ومع غض الطرف عن كون يوسف عليه السلام نبي كريم مؤيد من الله فلا يمكن أن يقارن برجل عادي فضلا عن رافضي بعثي خائن فإن يوسف عليه السلام كان :

عبدا ، أسيرا ، مسجونا ، وحيدا ، في بلد غير بلده ، غير مأمور بقتال ، لم يعتد عليه الملك ولم يسلب منه أرضه ويقتل أهله وينتهك عرضه

ثم ولاه الملك لثبوت صلاحه وعلمه وخوله ليحكم بشريعة الله تعالى كيفما شاء دون سلطان من أحد عليه كما قال تعالى : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ....

وأي أمر أعظم من التمكين في الأرض ؟؟

فأقام يوسف العدل وحكم بالقسط ولم يكن ثمة قتال وحرب ولا دماء ولا أشلاء

وأما الحالة المستدل بها فجيش كافر مستكبر متجبر أهلك الحرث والنسل وتعاون معه الخونة والأفاكون ومتاجرو الأعراض أمر الله سبحانه بقتالهم ودفعهم وحرم الفرار من أمامهم فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير

وقال r : من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ... إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة التي امتلأ بها الكتاب والسنة .

فلما رأى هذا الجيش الكافر إباء المسلمين ومناجزة بائعي الأنفس لرب العالمين أتوا بعميل لهم ليكون عصا الردع للمجاهدين الذين يذودون عن حياض الدين وعرض المؤمنين بخطة بلهاء لا تنطلي إلا على السفهاء وساذجي التفكير .

الثالث : أن المسائل الشرعية التي استفاضت فيها الأدلة من كتاب الله  وسنة رسوله r لا تترك هذه النصوص الأصلية في المسألة بعينها ويذهب الذاهب بعيدا بعيدا بعيدا ليلتقط له شبه شبهة يحاول أن يتعلق بها ليعزز بها قولا شاذا بمعزل عن الصواب فالنصوص الشرعية في دفع المحتل ومجاهدة الباغي والاعتماد على الله في ذلك فهو المولى وهو النصير والاعتقاد بأن النصر ليس بالعدد والعدة نصوص متواترة لا يختلف عليها أحد من العقلاء فضلا عن العلماء .

ولنتخيل شخصا نكلمه في حجاب المرأة المسلمة ووجوب ستر بدنها عن الرجال الأجانب وعدم اختلاطها بهم فيأتي ويترك الآيات والأحاديث المستفيضة في ذلك ويستدل على جواز كشف عورتها واختلاطها بقوله تعالى : فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها .

أو بقوله : فجاءته إحداهما تمشي على استحياء أو بقوله : وامرأته قائمة فضحكت ...ونحو ذلك .

فنقول له رويدك ... أين أنت عن قوله تعالى : قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ... الآية

وأين أنت عن قوله : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... الآية

أعميت عن هذه الآيات وأبصرت تلك ؟

فكذلك نقول : أين أنت عن قوله تعالى : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين .

أين أنت عن قوله : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان

أين أنت عن قوله تعالى : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب

أين أنت عن قوله تعالى : وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة

والآيات كثيرة فضلا عن الأحاديث وفيما ذكرنا كفاية

_ كلام جميل لكن الشيخ العبيكان قد أيد كلامه عن هذه الآية بنقول عن العلماء فما قولكم ؟

نعم لقد اطلعت على نقوله ولكنها في واد والمسألة في واد آخر فهذه النقول عن هؤلاء العلماء :

أولا : على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وقد تقدم ما فيه .

ثانيا : أنها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما ذهب إليه الأخ الشيخ العبيكان لأنها تتكلم عن تولية حاكم ظالم أو كافر في دولته رجلا مسلما في ولاية فهل يجوز ذلك أم لا ؟ يعني في أمريكا مثلا أو في بريطانيا أو فرنسا أو حتى في أسبانيا التي كانت دولة إسلام سابقا واستولى عليها الكفار هل يجوز للمسلم أن يعمل لدى هذه الحكومة الكافرة ؟

ولم يتعرضوا البتة لجيش كافر اجتاح بلاد المسلمين وهم في جهاد معه ومناجزة وأراد أن ينصب عليهم عميلا له عليهم ليوقف جهادهم لأنهم متفقون بداهة وبالإجماع الذي لا يعرف أحد في تاريخ الإسلام يخالفه على قتاله ودفعه بكل ما يمكن من الوسائل .

ثالثا : إنهم اشترطوا شروطا لقبول عمل المسلم لدى الكافر وهي أن يقوم بالعدل والقسط ويطبق شريعة الله في ولايته .

 

_ معذرة لكن الشيخ قد بين أن أمريكا قد وعدت بالخروج من العراق إذا توقفت مهاجمتها فلو انتظرنا ذلك ثم لكل حادث حديث بعد

أقول : هذا كلام عجيب أين نحن من آيات ربنا :

ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم

ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا

أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم

ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر

هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم

هؤلاء سفلة مجرمون لا خلاق لهم ولا أيمان ولا عهود ولا مواثيق ما الذي جاء بهم إلى ديار المسلمين بعتادهم وعدتهم في حملة صليبية شعواء إذا كانوا يريدون الخروج ؟ هل من جاء بالآلاف المؤلفة وأنفق المليارات وقطع المسافات الطوال ليقتل ويدمر الأبرياء والعزل وينتهك أعراض المسلمين سيخرج والله لا يخرجه إلا الذبح كما قال النبي r لكفار مكة : لقد جئتكم بالذبح .

وأنا أنصح العبيكان وأمثاله ممن تنطلي عليهم ألاعيب هؤلاء السفلة بقراءة كتاب سياسي لرجل مسلم معروف متمكن فيما كتب وهو من رجالات المملكة المشاهير ومن المسئولين السياسيين وهو الدكتور فهد العرابي الحارثي وكتابه هو أمريكا التي تعلمنا الديمفراطية والعدل فلو قرأ فيه قليلا لعلم أن أمريكا لم تكن يوما في حياتها نزيهة بل يحوطها الإجرام والظلم وأكل الضعفاء والسذج ومن لم يجابهها بالذبح والسحل . 

_ إذن أنتم تؤيدون ماذهب إليه العلماء الست والعشرون فيما دعوا إليه ؟

أنا أؤيد كل إنسان سواء أكان عالما أم غير عالم واحدا أم جماعة يقول بوجوب محاربة المحتل وطرده من أراضي المسلمين لأن هذا إجماع من الأمة ومن يخرق هذا الإجماع يخشى عليه قال تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .

وأما بالنسبة لهؤلاء العلماء فهم معروفون وأكثرهم من حملة الدكتوراة وأساتذة الجامعات وهم من أعلى الناس علما في المملكة ولا يعني هذا أنهم لا يخطئون ولكنهم حووا من هم أفضل علما وأكبر سنا وأكثر عددا وأنشط في الدعوة والتأليف من الشيخ العبيكان مع احترامنا للجميع فبعضهم لو انفرد وحده تجده أفقه وأعلم من الشيخ فكيف بالمجموع ؟ نفع الله بهم جميعا .

- لكن الشيخ العبيكان نصح أن يكون المرجع في مثل هذه الأمور المصيرية الهامة لهيئة كبار العلماء فما تعليقكم على ذلك ؟

تعليقي أن هذه أعظم أضحوكة في كلامه هداه الله لأنه أول من ناقض نفسه يقول المرجع لهيئة كبار العلماء ويطلق لنفسه هو وحده أن يخلط بمثل هذه الفتاوى العجيبة ولو كان أحد أعضاء الهيئة لما جاز له على حد كلامه أن ينفرد فكيف وهو حتى لم يتم تعيينه فيهم .

وقديما قالوا : لا تنه عن خلق وتأتي مثله      عار عليك إذا فعلت عظيم

وقالوا : وغير تقي يأمر الناس بالتقى      طبيب يداوي والطبيب مريض

وعلى كل هيئة كبار العلماء جهة رسمية معينة أفرادها لا يزيدون علما عن غيرهم من أهل العلم بل هناك من هو أعلم منهم بلا جدال ولا ريب وكل ما في الأمر أن هذه جهة معتمدة لدى الدولة في أوقات الحاجة .

أيضا هذه الهيئة غير معتمدة في غير المملكة وهناك جهات كثيرة مثلها معينة من قبل دولها ومسألة العراق مسألة إسلامية غير مقتصرة على دولة دون أخرى وليست حكرا على من عينتهم الحكومات .

والعجيب في الأمر أيضا أن الشيخ خالف ما أجمعت عليه الهيئة في فتواه في السحر وخالف لجنة الإفتاء التي هي جهة الإفتاء الرسمية في برنامج طاش ما طاش إلى غير ذلك من المخالفات التي ندعو الله أن يقلع عنها ويتوقف عن الشذوذ بها .

 

_ حسنا ، آية أخرى والحديث ذو شجون قوله تعالى : وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق احتج بها الشيخ العبيكان على عدم مناصرة أهل العراق للمواثيق التي بين أمريكا وغير العراقيين فما رأيكم ؟

أقول لا حول ولا قوة إلا بالله لقد اتفق أهل العلم على تحريم وتجريم أن يقول أحد في كتاب الله برأيه ودون أن يعرف أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وما إلى ذلك .

وهذه الآية لها سبب متعلق بها ومذكورة في المنسوخ ولا علاقة لها إطلاقا بأحد من المسلمين بعد نسخ وجوب الهجرة إلى المدينة على كل مسلم فهل هناك أحد يجب عليه الهجرة الآن إلى المدينة من أهل العراق وغيرهم ويرفض هذه الهجرة فيعاقب بذلك ؟

هل يجوز لعاقل أن يأخذ بعض الآية ويترك بعضها وهي كلها متصلة ببعض ؟؟

الآية تقول : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق .

فالضمير في قوله : استنصروكم ، راجع للذين آمنوا ولم يهاجروا .

فهل كان أهل العراق من الذين آمنوا ولم يهاجروا ؟

قال الطبري : يعني بقوله تعالى ذكره [والذين آمنوا] الذين صدقوا بالله ورسوله [ولم يهاجروا] قومهم الكفار ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام [ما لكم ] أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرض الحرب [من ولايتهم] يعني من نصرتهم وميراثهم [من شيء ] حتى يهاجروا قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الإسلام [وإن استنصروكم في الدين ] يقول إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا [في الدين] يعني بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين [فعليكم] أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار [النصر إلا] أن يستنصروكم [على قوم بينكم وبينهم ميثاق] يعني عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه .ا.هـ

وجملة ما قاله الرازي في هذه الآيات من هذه السورة وهي الأنفال أن الله تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول  صلى الله عليه وسلم  إلى أربعة أقسام وذكر حكم كل واحد منهم وتقرير هذه القسمة أنه عليه السلام ظهرت نبوته بمكة ودعا الناس هناك إلى الدين ثم انتقل من مكة إلى المدينة فحين هاجر من مكة إلى المدينة صار المؤمنون على قسمين منهم من وافقه في تلك الهجرة ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي هناك

أما القسم الأول فهم المهاجرون الأولون وقد وصفهم بقوله إن الذين آمنوا وهاجروا وجـاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله

وأما القسم الثاني من المؤمنين الموجودين في زمانه  صلى الله عليه وسلم  فهم الأنصار

وقد وصفهم الله بقوله والذين آووا ونصروا

وقد وصف الله هذين القسمين بأنهم هم المؤمنون حقا وأن بعضهم أولياء بعض

والمراد بالولاية كون بعضهم معظما للبعض مهتما بشأنه مخصوصا بمعاونته ومناصرته والمقصود أن يكونوا يدا واحدة على الأعداء وأن يكون حب كل واحد لغيره جاريا مجرى حبه لنفسه وكذا يكونون شركاء في الفيء والغنيمة ويدخل في ذلك أيضا التوارث بينهم وقد نسخ هذا بعد .

والقسم الثالث من أقسام مؤمني زمان الرسول عليه السلام وهم المعنيون بالجزء المستشهد به باطلا هم المؤمنون الذين ما وافقوا الرسول r في الهجرة وبقوا في مكة مخالفين أمر الله تعالى لهم بالهجرة فنفى الله عنهم الولاية التي أثبتها لمن هاجر ولا نصيب لهم في الفيء ولا الغنيمة ولا الإرث حتى يهاجروا يعني أنهم لو هاجروا لعادت تلك الولاية وحصلت والمقصود منه الحمل على المهاجرة والترغيب فيها لأن المسلم متى سمع أن الله تعالى يقول إن ترك الهجرة انقطعت الولاية بينه وبين المسلمين ولو هاجر حصلت تلك الولاية وعادت على أكمل الوجوه فلا شك أن هذا يصير مرغبا له في الهجرة والمقصود من المهاجرة كثرة المسلمين واجتماعهم وإعانة بعضهم لبعض وحصول الألفة الشوكة وعدم التفرقة

ثم قال تعالى : وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر فلما بين الحكم في قطع الولاية بين تلك الطائفة من المؤمنين بين أنه ليس المراد منه المقاطعة التامة كما في حق الكفار بل هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا إن استنصروكم فانصروهم ولا تخذلوهم روي أنه لما نزل قوله تعالى مالكم من ولـايتهم من شيء حتى يهاجروا قام الزبير وقال فهل نعينهم على أمر إن استعانوا بنا فنزل وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ثم قال تعالى إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والمعنى أنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم إذ الميثاق مانع من ذلك .

ومما قاله الرازي هنا 15/168 واضح الدلالة حيث قال : ذكر الله ههنا أقساما ثلاثة فالأول المؤمنون من المهاجرين والأنصار وهم أفضل الناس وبين أنه يجب أن يوالي بعضهم بعضا

والقسم الثاني المؤمنون الذين لم يهاجروا فهؤلاء بسبب إيمانهم لهم فضل وكرامة وبسبب ترك الهجرة لهم حالة نازلة فوجب أن يكون حكمهم حكما متوسطا بين الإجلال والإذلال وذلك هو أن الولاية المثبتة للقسم الأول تكون منفية عن هذا القسم إلا أنهم يكونون بحيث لو استنصروا المؤمنين واستعانوا بهم نصروهم وأعانوهم فهذا الحكم متوسط بين الإجلال والإذلال .

والقسم الثالث هم الكفار قال : وأما الكفار فليس لهم البتة ما يوجب شيئا من أسباب الفضيلة فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصرة بوجه من الوجوه فظهر أن هذا الترتيب في غاية الحسن .

وقال القرطبي 8/57 : وإن استنصروكم في الدين   يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته . قال ابن العربي : إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم ، كذلك قال مالك وجميع العلماء فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو ...ا.هـ

وقد كانت الهجرة فرضا وكان شأنها عظيما قال القاضي أبو يعلى : إلى أن فتحت مكة . وكان الذي يرجع لباديته بعد هجرته يعتبر قد وقع في كبيرة من الكبائر عبر عنها بالردة في نصوص كثيرة .

وقد روى أحمد وغيره بسند صحيح عن جرير بن عبد الله قال أتيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أبايعه فقلت هات يدك واشترط علي وأنت أعلم بالشرط فقال أبايعك على أن لا تشرك بالله شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتنصح المسلم وتفارق المشرك .

وعنه أيضا عند البيهقي وغيره : أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة .

وقال الجصاص 2/312 بعد أن ذكر حديثا عن النبي r فيه : أيما صبي حج ثم أدرك الحلم فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى فأوجب النبي  صلى الله عليه وسلم  على العبد أن يحج حجة أخرى ولم يعتد له بالحجة التي فعلها في حال الرق وجعله بمنزلة الصبي فإن قيل فقد قال مثله في الأعرابي وهو مع ذلك يجزيه الحجة المفعولة قبل الهجرة قيل له كذلك كان حكم الأعرابي في حال ما كانت الهجرة فرضا لأنه يمتنع أن يقول ذلك بعد نسخ فرض الهجرة فلما قال  صلى الله عليه وسلم  لا هجرة بعد الفتح نسخ الحكم المتعلق به من وجوب إعادة الحج بعد الهجرة إذ لا هجرة هناك واجبة .

وقال أيضا : وقوله تعالى   فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله   يعني والله أعلم حتى يسلموا ويهاجروا لأن الهجرة بعد الإسلام وأنهم وإن أسلموا لم تكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة وهو كقوله تعالى   ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا   وهذا في حال ما كانت الهجرة فرضا وقال النبي  صلى الله عليه وسلم  أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين وأنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك قيل ولم يا رسول الله قال لا تراءى نارهما فكانت الهجرة فرضا إلى أن فتحت مكة فنسخ فرض الهجرة .ا.هـ

والذي يعنينا هنا أن الهجرة التي كان رسول الله r يبايع عليها كل من أسلم ليهاجر إلى المدينة في زمانه وهي المعنية في الآية قد نسخت بالاتفاق فلا معنى للاحتجاج بهذه الآية هنا البتة .

على أن مسألة الميثاق وبقائه مع الكافر ذهب بعض أهل العلم إلى نسخه فقال الكرمي في الناسخ والمنسوخ إنها منسوخة بآية السيف التي فيها قتال المشركين كافة .

وواجب على كل المسلمين مناصرة إخوانهم على من اعتدى عليهم ومجرد اعتداء الكافر على أخيك المسلم يعتبر ناقضا لأي ميثاق وعهد بينك وبينه ولا يمنعك هذا الميثاق لأنه لم يعتبر إلا في الحالة المنسوخة كما قال أبو عبيد في الأموال 1/276 : ألا تسمع لقوله  والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا  فهذا بين واضح أن الهجرة هي التي فرقت بين الحكمين .

- في نهاية هذا الحوار نشكر فضيلة الدكتور محمد طرهوني على ما تفضل به ونطلب منه كلمة نختم بها حديثنا .

في ختام هذا الحوار انتهز الفرصة لأنصح نفسي وإخواني بالتريث في الفتوى وعلى وجه الخصوص هذه القضايا المصيرية التي يترتب عليها سفك دماء المسلمين وأخص الشيخ العبيكان حيث تسرع في أمور واضح بطلان استدلالاته فيها وخطورتها ودعمها من حيث لا يشعر لأعداء الملة وقد قدر الله لي لقاء أحد علماء العراق الكبار في هذا العيد ودار بيني وبينه حوار حول الوضع عندهم وقد ذكر لي أنهم يشكون في إسلام من يقول بمثل قول الشيخ العبيكان أو على الأقل في انتمائه لأهل السنة وذكر لي نقلا عن مجلس الفلوجة الذي فاوض العلاوي لحقن دماء أهلها أنه بعد اتفاقهم تماما نقض كل شيء في اليوم التالي بناء على تعليمات بوش وأنه لابد من اجتياح الفلوجة فذهبوا للرئيس المعين من قبل الاحتلال فقال ما معناه ليس بأيدينا شيء . فالمحتل يريد إبادة الأخضر واليابس والقضاء على أهل السنة بمعاونة الخونة التاريخيين وغيرهم في حرب صليبية لا هوادة فيها وما أقبح منظر الأنجاس الأمريكان وهم قد اتخذوا بيوت الله المطهرة مرتعا لهم بنجاسة أبدانهم ونفوسهم كما في الصور المنتشرة على شبكة الإنترنت وغيرها مما يدلل على أنهم لا يريدون إلا إذلال هذا الدين والقضاء على أهله ولكن الله غالب على أمره وناصر دينه والأخبار تسر وتبشر بالخير والقتلى في صفوف الكفار بالآلاف المؤلفة وقد أخبرني هذا العالم العراقي أنه إذا قتل من الكفار عشرة قيل جرح واحد جرحا خفيفا تضليلا ودجلا وكذبا ولكن أظهر الله الكثير من الحقائق رغما عنهم وما ينتظرهم أسوأ بإذن الله نسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا عليهم وأن يكون في هذه الحرب نهايتهم وإن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون .