بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تسمية العمليات الاستشهادية لا يعني مشروعيتها وإنما باعتبار قصد صاحبها

قتل النفس كان مشروعا قربة إلى الله في بعض الأمم السابقة ولو دعت إليه الضرورة جاز

المصلحة والمفسدة والقدرة وعدمها اصطلاحات مطاطة كل يمكن أن يستخدمها

إهمال قول المخالف واطراحه كارثة علمية ويخشى منها العجب وتزكية النفس

جميع العلماء كانوا يرون مشروعية جهاد الأفغان فهل كانت لدينا القدرة وقتها ثم نزعت الآن

 

من الأمور التي انتقدها الشيخ العبيكان العمليات التي يسميها البعض استشهادية فما وجهة نظركم في ذلك ؟

هذه مسألةٍ ذاتِ أهميةٍ بالغةٍ وقد كَثُرَ الحديثُ عنها ، وهي من الأمورِ المستجدة التي جَدَّتْ في زماننا ولم تكن معروفةً في سابق العصور ، وهي العمليات التي يُطلق عليها العمليات الاستشهادية أو ما يسميها البعض الانتحارية أو الفدائية ولا مشاحة في الاصطلاح ، ولكن الأصحَّ أنها يطلَق عليها العمليات الاستشهادية حتى وإن لم يكنِ الفعلُ الذي فعله صاحبُها مشروعاً ، فإن كثيراً ممن يقوم بهذه العملياتِ إنما يقصد بذلك الاستشهادَ ، فحتى وإن لم يُكتَبْ له ذلك أو لم يكن ذلك مشروعاً فإن إطلاقَ اسمِ العملياتِ الاستشهاديةِ لهذا المسمى إنما هو متعلقٌ بقصدِ الفاعل ولا يعني ذلك أنه يكون شهيداً حقيقة ، فقد يطلب الرجلُ الشهادةَ ، فهذا استشهادٌ ، ولا يُعطاها أو لا يؤتاها لموانعَ ، فلا رابطَ بين صحة هذا العمل وبين إطلاقِ هذا المسمى عليها أنها عملياتٌ استشهاديةٌ ، والعبرةُ بمراد الشخصِ منها .

هذا من حيثُ المسمّى ، وأما من حيث المشروعية فاختلافُ أهلِ العلم في زمانِنا حولَ هذه العملياتِ مرجعُه إلى تأمُّلِ أمرٍ هام ، وهو : هل هناكَ فرقٌ بينَ تعريضِ الشخصِ نفسَه للقتلِ بيدِ غيرِه وبين أن يَقتلَ هو نفسَه إذا كانت النتيجةُ واحدةً ، فمثلاً إذا أرادَ شخصٌ أن ينتحرَ فتقدم إلى سيارةٍ تمشي بسرعةٍ فصدمَتْه هذه السيارةُ ، فهل هو يستوي مع من أخذ سكيناً فطعن نفسه أو شرب سماً أو خنق نفسه أو فجر نفسه ...

إذا كان الأمران متساويين فإن هذه العملياتِ تستوي مع فعلِ كثيرٍ من السلف الصالحِ الذين نزل فيهم قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) حيث كان الرجل منهم يحمل على المشركين وحده ويغمس نفسه بين صفوفهم وسيوفهم وقد توهم البعضُ أن هذا من إلقاءِ النفس إلى التهلكةِ فرد عليهم كبارُ الصحابة بأن هذا ليس بصحيح وأن الذي يحمِلُ على العدو ولو كان واحداً وقد غلبَ على ظنه أنه سيُقتل لا محالةَ إنما باعَ نفسه لله U ولا يُعتبَر بذلك قاتلاً لنفسه .

ثم إن المقصدَ الذي يقصدُه من يفعل ذلك هل هو التخلصُ من الدنيا أو هو إرضاءُ الله U والنكايةُ في العدو ؟ فرقٌ كبيرٌ في النية ، فإن الله U يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) فإذا كان القتلُ ليس من باب العدوانِ وليس من باب الظلمِ فليس ذلك مستوياً مع القتل الذي يكون لله U . فلا بدَّ من التفريقِ ؛ لا يظن الظان أن هذا يشبِه الانتحارَ بل إن ذلك أشبهَ بالحملِ على العدو وإلقاءِ المسلم بنفسه تحتَ السيوف وهو يعلمُ أنه مقتولٌ لا محالةَ وقد ينجو ، هذا هو الفارقُ الوحيدُ ولكن النيةَّ التي نواها ودخل بها تجعلُ العملَ مستوياً ، وكما قلتُ لا فرقَ في الإثم بين من يقتلُ نفسَه بالرصاص أو يطلب من غيره أن يطلقَ عليه الرصاصَ ليقتلَه .

فمسألةُ التعرضِ وإلقاءِ النفسِ في وسطِ السيوفِ وتحتَ رماحِ الأعداءِ لا تختلفُ كثيراً إلا مجردَ أن هذه فيها احتمالٌ ضئيلٌ للنجاةِ والأخرى ليس فيها احتمالٌ للنجاة . يعني : هناك احتمالٌ لهذا الذي رمى نفسه تحت السيارةِ أن السيارةَ يمكن أن تتجنبَه ، ويمكن أن تصدمَه فلا يموتُ ، ولكنه إذا ماتَ فهو قاتلٌ لنفسِه وكذلك الذي ضربَ نفسَه بالرصاصةِِ في رأسِهِ فهو ميتٌ لا محالةَ ، وفي هذه الحالِ فهو يستوي تماماً مع الذي رمى نفسَه تحتَ السيارةِ ، مع أن الحالةَ الأولى يُحتمَلُ فيها أنه ينجو .

وقد كان بعض الصحابة يكسر جفن سيفه وبعضهم يترجل من فرسه وبعضهم يتحنط ويلبس الأكفان لأنه نوى ألا يرجع لأهله وأن يتعرض للقتل في سبيل الله .

وقد قال معاذ بن عفراء: يا رسول الله، مايضحك الربَّ من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسراً. قال: فألقى درعاً كانت عليه، فقاتل حتى قتل .

وسأل رجل البراء بن عازب فقال : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة، وهم ألف، ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال البراء: لا، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذَّنْب فيلقي بيده، ويقول: لا توبة لي .

والأدلة المشابهة لذلك كثيرة .

قال ابن تيمية: «جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنه يقتلونه، إذا كان ذلك مصلحة للمسلمين»

وقد كان قتل النفس في شريعة منزلة من الله قربة بل كان توبة صادقة كما قال تعالى عن بني إسرائيل : إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم

كما ذكر تعالى أنه لو كتب علينا أن نقتل أنفسنا لكان مسارعتنا لذلك خير لنا فقال : ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما .

إذا فليس كل قتل للنفس يستوي مع غيره والنية لها دور عظيم في ذلك .

ثم القاعدة الشرعية المشهورة أن الضرورات تبيح المحظورات وقتل النفس محظور لكنه يجوز إذا دعت إليه الضرورة فإذا لم يجد المسلم إلا هذه الطريقة للدفاع عن دينه وعرضه جاز .

وقد أجاز بعض أهل العلم للأسير أن ينتحر إذا غلب على ظنه أنه يفشي أسرار المسلمين تحت التعذيب ومنهم الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى وألف فيها بعض المعاصرين .

وهنا أيضاً نتعرضُ للحديثِ المشهورِ والقصةِ العجيبةِ التي ذكرها النبيُّ r في مسألةِ أصحابِ الأخدودِ فإن الغلامَ الذي فَشِلَ الملكُ بقتله بمحاولاتٍ عدةٍ ثم بعد ذلك يَدُلّه الغلامُ على الطريقة التي يمكنُ أن يَقتُلَه بها ويعطيه سهماً من سهامه ويقول له : إذا أردتَ أن تقتلني فافعلْ كذا وكذا وقل بسم الله ربِّ الغلام . فهذا لو فُعِل بغير المقصدِ الشرعي وهو أن يُسْلِمَ الناسُ وأن يصلَ بذلك إلى مقصده من هدايةِ الناس لما جازَ ذلك أبداً ؛ أن يَدُلَّ الشخصُ آخرَ على طريقةِ قتله وأن يُمَكِّنَه من ذلك . فالمقصدُ اعتُبِرَ هنا ولم يُعتبر ذلك من باب الانتحار وإنما هو من بابِ بذل النفسِ في سبيل الله U .

وقد يقول قائل هذا شرع من قبلنا وقد سبق كلامك فيه والجواب أن الراجحُ أن شرعَ من كان قبلَنا إذا ذُكِرَ بمدحٍ وثناءِ وما يُشبِهُ التقريرُ فهو شرعٌ لنا ، هذا هو الصحيحُ ، وقصةُ الغلامِ إنما ذكرها النبيُّ r في معرضِ المدحِ والثناءِ والتقريرِ فليسَ في ذلك ما يجعلُها من الشرعِ الذي لا نأخَذَ به ، وعلى كلِّ حالٍ إذا كان المسألةُ من المسائلِ الخلافيةِ فالخلافُ معتبَرٌ ، ولا يُقالُ إن ذلكَ غيرُ مشروعٍ لأنَّ الخلافَ المعتبرَ له وجهةٌ والحمد لله .

أيضاً ؛ قتلُ النفس محرَّمٌ وقتل الغير أعظم ، فإن المسلمَ إذا قتلَ نفسَه فإنه قد فعلَ إثماً عظيماً ، وإذا قتلَ مسلما غيره فعلَ إثماً عظيماً بل هو أعظمُ . ولكنَّ أهلَ العلمِ يتفقون على جوازِ قتلِ المسلم إذا كان لذلك حاجةٌ ماسةٌ لهذا القتل كما في مسألةِ التترس ؛ فإذا تَتَرّسَ الأعداءُ ببعض المسلمين جازَ عند أهل العلمِ أن يقتُلَ المسلمُ أخاه المسلمَ حتى يصلَ لهؤلاء الكافرين ، ولا يَجعلْ حمايةَ شخصٍ أو شخصين أو ثلاثةٍ أو مائةٍ سبباً لاستباحةِ بلادِ المسلمين وتمكنِ الكفارِ منهم ، فكذلك الذي يُفَجر نفسَه في المشركين إنما هو يفجر نفساً لأجل النكايةِ في هؤلاءِ الأعداء ، وهذا أقلُّ مستوى وأقل درجةٍ من مسألة التترسِ التي تَكَلّم فيها أهلُ العلم كثيراً .

فهذه وجهةَ نظرِ الفريقين ، ولا شكَّ أن الفريقَ الذي يرى أنها عملياتٌ انتحارية إنما نظر إلى الأصلِ وهو أن قتلَ المسلم لنفسه لا يجوزُ وحرامٌ ، ولكنه لم يلتفتْ إلى النية ، والنيةُ كما قدمنا لها حظٌ كبيرٌ في هذا الأمرِ ، ثم إن الآثارَ الواردةَ في الحملِ على المشركين وفي غير ذلك تُقَوّي القولَ بأن هذه العمليات ليست عملياتٍ تُشبِه الانتحارَ بل هي أشبهُ بشراءِ النفسِ من الله U ، وهذا ليس ترجيحاً لمسألةٍ على أخرى أو لقولٍ على آخرَ ولكن لتوضيحِ المسألةِ ، والله تعالى أعلم .

وأُذكر هنا كلماتٍ قليلةً ذكرها الحافظُ ابنُ حجر تشير إلى ما ذكرتُه الآن من وجهِ النظر التي تُدَلل على أن مثلَ هذه العملياتِ ليست أشبهَ بالانتحارِ بل هي أشبهُ بمن شرى نفسَه من الله . فيقول الحافظ رحمه الله :

( وفي قصةِ أنسِ بن النضرِ من الفوائدِ جوازُ بذلِ النفسِ في الجهادِ ، وفضلُ الوفاء بالعهدِ ولو شقَّ على النفسِ حتى يصلَ إلى إهلاكِها ) تأملوا هنا كلمة ( حتى يصلَ إلى إهلاكها ) ولم يقل ( حتى يصل إلى هلاكها ) ففيه بيانُ أنه أهلكَ نفسَه بانغماسِه في وسط المشركين ، ثم يقول : ( وأن طلبَ الشهادةِ في الجهاد لا يتناوله النهيُ عن الإلقاءِ إلى التهلُكَةِ ) على اعتبارِ عمومِ اللفظِ بالإلقاءِ إلى التهلكةِ طلب الشهادةِ وهو الاستشهادُ لا يتناوله هذا النهيُ ، وهذا لا يكون إلا في مثلِ هذه الحالاتِ التي فيها غلبةُ الظنِّ أن يُقتَلَ الشخصُ وهو يعلمُ أنه سوف يُقتل ، فكما قلنا الحكمُ بالنسبةِ للمنتحرِ سواءٌ إذا قتلَ نفسَه بنفسِه أو طلبَ من غيره أن يقتلَه ، فهو في كلتا الحالتين منتحرٌ. وهذا سواءٌ قَتَلَ نفسَه بنفسه أو قتل نفسه بغيره فهو طالبٌ للشهادةِ .

أيضاً قصةٌ أحبُّ أن أضيفَها إلى كلامنا السابق في العمليات الاستشهادية ، وهي القصةُ التي حكاها سلمةُ بنُ الأكوعِ مع عامرٍ ، وهو عمٌّ لسلمة . ففي غزوةِ خيبرَ أراد عامرٌ أن يضربَ أحدَ المشركين فرجع السيفُ عليه فقطعَ أكحُلَه فمات ، فقال بعضُ الصحابة : قتل عامر نفسه قد حبطَ عملُه ، فجاء سلمةُ بنُ الأكوعِ إلى رسولِ الله r وهو متأثرٌ فقال : يا رسول الله ! قيل إن عامراً قتَلَ نفسه فحبَط عملُه ، فقال رسول الله r : " من قالَ هذا " ؟ قال : أصحابُك . قال : " كذبَ من قال هذا ، بل له أجرُه مرتين " . وفي هذا بيانٌ للنظرِ إلى كيفيةِ القتلِ وليستِ العبرةُ فقط بحصولِ القتل ، فإن عامراً أرادَ أن يضربَ الكافرَ فجاء السيفُ عليه فقتله ، فلا يعتَبَرُ هذا قاتلاً لنفسِه ، وإنما الذي يُعتبر قاتلاً لنفسه الذي ورد فيه الحديثُ الآخرُ حينما رآه الصحابةُ لا يترك شاذّة ولا فاذّة للكفارِ وأبلى بلاءً حسناً ، فقالوا : ما أبلى أحدٌ مثلَ فلان ، فقال النبي r : " هو في النار " ، فسمِعَه أحدُ الصحابةِ فقال : أنا صاحبُه ، يعني : لنْ يتركَه حتى يعرفَ كيف مع هذا الجهادِ والبلاءِ يكون في النارِ ، فيقولُ إنه أصيبَ واشتدَّتْ به الجراحُ فوضعَ نصلَ سيفِه بين ثَدْيَيْه واتَّكَأَ عليه فمات ، فقال : صدق رسولُ الله r ، وجاء وأخبرَ النبيَّ r بذلك فقال : " إن الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنة حتى لا يكونَ بينها وبينَه ذراعٌ ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ النار فيدخل النار " . فهذا قد قَتَلَ نفسَه جَزَعاً وتخَلُّصاً من هذا الألمِ الذي يراه ، وهذا دليلٌ على عدم إيمانِه وعدمِ صدقِ جهادِه في سبيلِ الله . والثاني وهو عامرٌ إنما جاءتْه الضربةُ من غيرِ قصدٍ منه أن يقتَل نفسَه ، ولكن كانتْ النتيجةُ أن قتلَ نفسَه ، فلا يؤاخذُ بذلك ، وإنما ذكرَ النبيُّ r أن الصحابةَ أخطأوا بهذا الفهم وقال : " كذبَ من قالَ ذلك ، بل له أجران " . فالمقصودُ النيةُ وليستِ العبرةُ بحصولِ القتلِ .

ـ بقيتْ نقطةٌ هامة وهي : ما يترتَّبُ على ذلك ؟

هذا راجعٌ لاجتهادِ الشخصِ ونيتِهِ ، وكذلك الذي يرمي نفسَه في وسطِ العدوِ فيقاتِلُ حتى يُقتَلَ أو يَحمِلَ على العدوِّ قد لا يستفيدُ شيئاً ولا يقتلُ ولا رجلاً ، ويُقتَلُ هو ويُمزَّقُ بسيوفِ الأعداءِ ولا يكونُ قد قتلَ منهم أحداً إطلاقاً ، فهذا نفسُ الأمرِ ؛ الأولُ باتفاقِ السلفِ شَرَى نفسَه لله وهو من خيرِ الشهداءِ ، فالقيدُ بالنظرِ إلى النتائجِ لا عبرةَ له ولا قيمةَ له إطلاقاً ، فكذلك الذي يفجرُ نفسَه لو قُدِّرَ أنه لم يقتلْ أحداً فيكفي أنه أفزَعَ العدوَّ وأرعبَهم كما حصلَ من هذا الذي حملَ عليهم ، بل هذا الذي يُفجِّرُ نفسَه تأثيرُه أقوى بكثيرٍ جداً من الذي يحملُ على العدوِ كما هو مشاهدٌ ومعلومٌ .

ـ يلتحقُ بهذه النقطةِ مسألةُ أنه يترتَّبُ على ذلك أنهم يَهْدِمونَ كثيراً من البيوتِ ويقتلون كثيراً من الناس ، فنقول : لو أن هذا الشخصَ لم يقتلْ نفسَه بالمتفجراتِ وإنما أخذَ رشاشاً وأقدم على مغتصبَةٍ من مغتصباتِ اليهودِ وضربَهم وقتلَهم فسوف يفعلونَ نفسَ الأمرِ ، فهل يُقالُ إن فعلَه هذا غيرُ مشروعٍ ؟

عند بحثِ المسائلِ العلميةِ لا يُنظَر للملابساتِ الخارجيةِ ، فالملابساتُ الخارجيةُ قائمةٌ في العملِ المتفقِ عليه والعملِ المختلفِ فيه ، فالذي يقاتلُ بطريقةٍ متفقٍ عليها أيضاً اليهودُ يعاملونَه بنفس الأسلوبِ ، ثم هذا العقابُ لا بدَّ منه ، فلا يكون أبداً الحلُّ أننا سوفَ نستسلمُ لأنهم يهدِمون بيوتَنا ويقتلون أفرادَنا ، بالعكسِ هذا يجعلُنا نكثرُ مما نفعلُ لأن هذا الذي يفعلونه دليلٌ على تأثيرِ هذه العملياتِ تأثيراً عظيماً جداً فيهم .

وأختم الكلام في هذه المسألة أن أكثر العلماء المعاصرين على مشروعيتها ومنهم الشيخ ابن عثيمين واشترط أن يكون في ذلك نفع عظيم للإسلام والشيخ الألباني واشترط أن تكون بإذن القائد المسلم والشيخ الشعيبي ولم يشترط شيئا رحمهم الله جميعا ومن الأحياء القرضاوي والعلوان وناصر العمر وسلمان العودة وسعد البريك وغيرهم كثير من المملكة وأما من خارجها فيكاد أن يكون إجماعا خاصة من علماء فلسطين وأهل مكة أدرى بشعابها ، واطراح قول هؤلاء ممن يخالفهم وإهماله كارثة علمية ويخشى منها العجب وتزكية النفس .

وأعجب الفتاوى في ذلك قول مفتى مصر علي جمعة _ نسأل الله له الهداية _ وهي مسجلة صوتيا _ عندما سئل :)) العمليات الاستشهادية انتحار ؟
فكان جوابه : لا مش انتحار ، دي شهادة في سبيل الله ، والذي يقول أنها انتحار بنَصِفه بأنه حمار بدل ما نكفره ونخرجه عن ملة المسلمين فبنصفه إن هو حمار علشان يرجع ، لو صمم نكفره  .

وما أجمل قصيدة الدكتور غازي القصيبي في هذه العمليات حيث قال في رثاء آيات الأخرس تقبلها الله في الشهداء :

يشـهـد الله أنكم شـهـداء
يشـهـد الأنبياء.. والأولياء
مـتم كي تعـز كلمة ربي
في ربـوع أعـزها الإسراء
انتـحرتم؟! نحن الذين انتـحرنا
بحـيـاة .. أمـواتـها الأحياء

إلى أن قال :

قل لـمن دبّجوا الفتاوى : رويـداً!
رب فـتـوى تضج منها الســماء
حـين يدعـو الجهاد.. يصمت حبر
ويـراع.. والكتبُ.. والفـقـهاء
حـين يدعـو الجـهاد..لا استفتاءُ
الفـتاوى، يوم الجـهـاد الـدمـاء.

 

نلاحظ أن الشيخ يبني كثيرا من الأحكام بالنظر إلى المصلحة والمفسدة فما رأيكم في ذلك ؟

قضية اعتبار المصلحة والمفسدة لاشك أنها معتبرة ولكن إطلاقها هكذا يجعلها هي ومسألة القدرة مصطلحات مطاطة الكل يمكنه أن يحتج بها ونقول هنا :

من الذي يقرر المصلحة والمفسدة والقدرة ؟

إذا قلنا العلماء مثلا فهل ينتظر إجماعهم على ذلك أم ماذا ؟

البعض الآن يقول : المصلحة في الاستسلام لأعداء الله الأمريكان .

والبعض الآخر يقول : بل المفسدة كل المفسدة في الاستسلام لأعداء الله الأمريكان .

فما الذي يحكم ذلك ؟؟؟ لاشك أن النصوص الشرعية المتكاثرة مع القول الثاني .

الشيخ يقول : لقد ترتب على أحداث الحادي عشر من سبتمبر مفاسد عظيمة .

وقد قرأت مقالا لبعضهم يذكر فيه الفوائد العظيمة التي نتجت عن هذا الحادث بغض النظر عن مشروعيته أو عدمها .

فهذه أقوال مطاطة يصلح أن يستخدمها كل أحد والعبرة بالأدلة الشرعية .

أما مسألة القدرة فالكلام فيها يطول والبعض يخلط فلا يفرق بين ضعف القدرة والعجز وعدم الاستطاعة

فمثلا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .

وقبل ذلك يقول تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم .

ويقول تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ..

فمعنى هذا أننا نقاتل عدونا حسب استطاعتنا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فنقاتلهم بكل ما نستطيعه ولو بالأحجار إن لم نستطع غيرها ولو بأيدينا ...

فيأتي البعض ويعكس الحكم ويخلطه بالعجز فيقول لا نقاتل عدونا ونستسلم له ونتركه يزني بأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وأزواجنا ويهدم مساجدنا ويمزق مصاحفنا ويلوط في أبنائنا ورجالنا ويقتل من شاء ويدمر ما شاء لأننا لا نملك طائرات وقنابل نووية ويتعلل بأننا لا نستطيع قتاله لأنه أقوى منا ونسي هذا الشخص العقيدة التي طالما نادينا بالتمسك بها والدعوة إليها وكانت هجيرانا صباح مساء

يحكى أنه قيل لبعض أتباع الملك عبد العزيز رحمه الله إن الإنجليز عندهم طائرات فقال : الطائرات فوق الله أم الله فوقها ؟؟؟؟؟

إن المؤمن يقاتل بإيمانه وبعمله الصالح والنصر من عند الله والأدلة كثيرة جدا ومتواترة ويكفي قوله تعالى : إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ؟

وقد اعتذر قوم طالوت بأنهم لا طاقة لهم بقتال جالوت وجنوده فقالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فماذا قال تعالى ؟

قال الذين يظنون _ أي يستيقنون _ أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .

وماذا كانت النتيجة : فهزموهم بإذن الله .

وكذا اعتذر قوم موسى بضعفهم أمام الجبارين عندما أمرهم بدخول القرية لعدم قدرتهم على قتالهم فماذا كان قول المؤمنين :

قال رجلان من الذين يخافون ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون .

وهل عذرهم الله في خوفهم من الجبارين ؟ لا بل عذبهم بالتيه كما هو معلوم .

وأمامنا صور كثيرة في الماضي والحاضر تؤكد زيف دعاوى القدرة :

فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بدر لديهم القدرة على مواجهة جيش جرار عدده ثلاثة أضعاف عددهم بعدده وعتاده والمسملون غير مجهزين أصلا لملاقاة هؤلاء وليس فيهم فارس إلا الزبير والمقداد ؟؟؟

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لديهم القدرة على مهاجمة أقوى قوتين في زمانهم الفرس والروم ومعلوم أن العرب كلهم لو اجتمعوا ما نظرت إليهم أمة من هاتين الأمتين إلا نظرة احتقار وازدراء لتفوقهم عليهم في جل النواحي .

هل كان أبو بكر الصديق لديه القدرة على محاربة العرب الذين ارتدوا قاطبة إلا مكة والمدينة والطائف وقلائل مع خروج جيش أسامة إلى الروم ؟؟؟

وهذه الأيام نرى كيف أن الأفغان الضعفاء الذي كانوا لا يملكون طائرة واحدة وكانوا مجموعة طلاب خرجوا على ولي أمرهم بعدما تأكدوا من عمالته للكافرين مع بعض البنادق والرشاشات فتمكنوا من هزيمة إحدى الدولتين اللتين يصفهما الناس بالعظميين وزلزلوا عروش الاتحاد السوفيتي حتى انهار بحمد الله على أيديهم وكان جميع العلماء يفتون بمشروعية هذا الجهاد وبدعمه فهل كانت لديهم القدرة أنذاك ثم نزعت هذه الأيام ؟؟؟

أبناء فلسطين حماهم الله أهل الرباط الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق ظاهرين يقاتلون لا يضرهم من خذلهم لا يملكون طائرة ولا مدفعا ولا دبابة وقد أذلوا اليهود وأعاشوهم في رعب وهلع دائم لا يعرفون للحياة طعما

ومن الأمور التي هي ديدن الأخبار والمقالات مسألة أسامة بن لادن الذي يطلبه العالم أجمع واتفقت جيوش الكفر على مطاردته ودمرت دول تعللا بهذا الهراء وقد مضت ثلاث سنوات ما ادخرت القوى العالمية شيئا يمكن أن يوصلهم إليه حيا أو ميتا إلا وبذلوه وما النتيجة ؟؟؟؟ يخرج لهم سليما معافى ليملي عليهم بعضا مما أراده وتضطرب الأمور وتختلف الموازين بمجرد هذه الإطلالة من هذا الرجل الواحد بغض النظر عن اتفاقنا معه أو اختلافنا .

فدع عنك هذه التعليلات التي ما أنزل الله بها من سلطان والعبرة بالنصوص الشرعية القاضية بوجوب مقاتلة الكفار والذود عن حياض الإسلام ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد نسأل الله الشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين .

فالذي نستطيعُه هو الذي نُعِدُّه والنصرُ من عند الله والله تعالى يقول ( ولينصرن الله من ينصره ) فنحن ننصرَ الله U ولسنا ننتصرِ بعملنا وإنما ننتصر بالله U وبإيماننا به ، وكما قال أبو الدرداءِ ( إنما تقاتلون بأعمالكم ) فلنعملْ عملاً صالحاً ولْنُحاولْ أن نصدقَ مع الله U ثم بعد ذلك ننتظرُ النصرَ من الله ، هذا هو الذي علينا . وأما المذلةُ وأما الانقيادُ وأما الخنوعُ والخضوعُ فهذا ليس من شِيَمِ المسلمِ وإنما هو دليلٌ على ضعفِ إيمانِه وعدمِ توكله على الله U .

في بداية هذه الحرب في العراق قليلٌ من الريحِ والغبارِ دمرَّتْ الجيش تدميراً لم يحلُموا به ، فكل إمكاناتِهم تعطلت بقليلٍ من الريحِ والغبارِ ، فلو أراد الله U لسلَّطَ عليهم ريحاً لمدةِ أسبوعٍ أو عشرةِ أيام وتنظرون ما الذي يحصل لهذه القواتِ الهائلةِ ؛ فلا طائرةَ يمكنها أن تطيرَ ولا أجهزةَ رادارٍ تعملُ ، ولا قنابلَ ذكيةً بقي عندها شيء من الذكاء ، ونسأل الله تعالى النصرَ والتمكين .

نختم حديثنا عن هذه النقطة بأننا لم نستخدم إمكاناتنا ولم ينصر المسلمون إخوانهم لا في فلسطين ولا في العراق ولا في غيرها نحن لدينا جيوش جرارة وترسانات أسلحة وعقول فذة يتلقفها كفار العالم لتصنع لهم القوة التي نحن أولى بها فهل استخدمنا ذلك نظرة سريعة نرى أن جيشا واحدا من جيوش المسلمين على مافيه هزم اليهود هزيمة منكرة في العاشر من رمضان ولولا تدخل من تدخل لحررت بلاد المسلمين ومن قبل صد العدوان الثلاثي عن مصر كما استطاع الضعفاء طرد الاحتلال من بلاد المسلمين وما كانوا يملكون شيئا وما إلى ذلك من صور كثيرة ولكننا رضينا بالقعود ووالله الذي لا إله غيره لو فتح الباب للمسلمين للذود عن فلسطين بأيديهم فقط لأكلوا اليهود ولم يبق منهم عين تطرف أو يولوا الدبر هاربين .