بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الرد على نصر فريد واصل في قوله في الموسيقى الهادئة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد

في بداية حديثي عن هذه المسألة بغض النظر عن من تبنى هذا الرأي أحب أن أقدم بمقدمتين هامتين :

الأولى : ارتقاء أحد الأشخاص منزلة من المنازل الدنيوية وتبوؤه منصبا لا يشهد له بحال من الأحوال بالتضلع في العلم والرسوخ فيه بل قد يكون من أقل الناس علما لأن هذه المناصب تبنى على التعيين والاختيار لحيثيات أخرى .

الثانية : ما زال الخلاف قائما بين أهل العلم وهذه سنة الله في خلقه ولكن من الخلاف ما يكون معتبرا ومنه مالا يكون معتبرا فإذا كان صاحب أحد الأقوال خارجا عما اتفقت عليه جماهير العلماء وفي مصادمة النصوص المتكاثرة فإنه لا عبرة بمخالفته وقوله غير معتبر ولا يعتد به .

ومسألة المعازف وتحريمها من مسائل الإجماع التي حكى فيها أئمة جهابذة إجماع الأمة عليها ومن ذلك :

قال القرطبي رحمه الله : أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه .

ونقل ابن حجر الهيثمي الإجماع على حرمة المعازف، وقال: "ومن حكى فيها خلافاً فقد غلط أو غلب عليه هواه حتى أصمَّه وأعماه."

وقد حكى الإجماع كذلك أبو بكر الآجري .

وقال أبو عمرو بن الصلاح: ليعلم أن الدُّفَّ والشبابة إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يُعْتَدَّ بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع. والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نُقِل في الشبابة منفردة، والدُّفَّ منفرداً، فمن لا يتأمل ربما اعتقد خلافاً بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي، وذلك وهم بيِّن من الصائر إليه، تنادي عليه أدلة الشرع والعقل، مع أنه ليس كلَّ خلاف يُستروح إليه ، ويعتمد عليه ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرُّخص من أقاويلهم ، تزندق أوكاد .

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام...ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً"

وقال ابن القيم: "مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار، والدُّفِّ، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية، يوجب الفسق، وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: أن السماع فسق، والتلذذ به كفر .

فهذه نقول تبين للقارئ أن أي خلاف يذكر في هذه المسألة فإنه لا اعتبار له ولو شئت أن أفصل كلام الأئمة لاحتاج ذلك إلى كتاب مستقل وقد صنف العلماء في تحريم ذلك قديما وحديثا وردوا على شبهات من شذ في هذه المسألة .

ومن النصوص الشرعية الكثيرة في تحريم ذلك نذكر طرفا يسيرا :

فمن القرآن الكريم قوله تعالى : "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا"

جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية.

وعن مجاهد أنه قال: "صوت الشـيطان : الغناء والمزامير". وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه."

ومن السنة النبوية :

ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك _ رضي الله تعالى عنهما _ ووالله ما كذبني _ أنه سمع النبي  صلى الله عليه وسلم  يقول ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف .

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنىِّ لم أنه عن البكاء، ولكنيّ نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ، ولعب ومزامير الشـيطان ، وصوت عند مصيبة ، لطم وجوه ، وشق جيوب، ورنّة شيطان

وعن أبي أمامة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحو المعازف والمزامير والأوثان والصلب .

وعن ابن عباس عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال إن الله تبارك وتعالى حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة وهو الطبل .

وعنه أيضا أن النبي  صلى الله عليه وسلم  حرم ستة الخمر والميسر والمعازف والمزامير والدف والكوبة .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خرج إليهم ذات يوم وهم في المسجد فقال إن ربي حرم علي الخمر والميسر والكوبة والقنين .

والقنين هو العود .

وعن علي بن أبي طالب قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إذا عملت أمتي خمس عشرة خصالة حل بها البلاء فذكر منهن واتخذوا القينات والمعازف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ومسخا وخسفا

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا يا رسول الله يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال نعم ويصلون ويصومون ويحجون قالوا فما بالهم يا رسول الله قال اتخذوا المعازف والقينات والدفوف ويشربون هذه الأشربة فباتوا على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير .

وعن ابن سابط قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إن في أمتي خسفا ومسخا وقذفا قالوا يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله فقال نعم إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير

وعن أبي أمامة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  تبيت طائفة من أمتي على لهو ولعب وأكل وشرب فيصبحوا قردة وخنازير يكون فيها خسف وقذف ويبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام ولبسهم الحرير وضربهم الدفوف واتخاذهم القيان .

وعن ابن مسعود قال أوصاني رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ... وأجب دعوة من دعاك من المسلمين ما لم يظهروا المعازف فإذا أظهروا المعازف فلا تجبهم ...

ومن أقوال الصحابة والتابعين :

عن ابن عباس قال الدف حرام والمعازف حرام والكوبة حرام والمزمار حرام

وعن عوف بن مالك أنه خرج من دمشق إلى بعض قريات بني فزارة إلى صديق كان له فيها فاجتمع إليه نفر فجعلوا يتحدثون فقال رجل : من يذكرون من أصحاب الدجال من هذه الأمة ؟ فقال عوف بن مالك : قوم يستحلون الخمر والحرير والمعازف حتى يقاتلون معكم فينصرون كما تنصرون ويرزقون حتى يوشك قائلهم أن يقول فعل الله بنا كذا وكذا لو كان حراما ما نصرنا ولا رزقنا حتى إذا خرج الدجال لحقوا به لا يتمالكون عنه يخرجهم إليه أعمالهم .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتابا فيه وقسم أباك لك الخمس كله وإنما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حق الله وحق الرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فما أكثر خصماء أبيك يوم القيامة فكيف ينجو من كثرت خصماؤه وإظهارك المعازف والمزامير بدعة في الإسلام ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة السوء .

و كسر رجل طنبورا لرجل ، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له .

ومن أقوال علماء الأمة :

روي عن أبي حنيفة أنه قال: الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فوراً .

وقال القاضي أبو يوسف تلميذه حينما سُئِل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: "ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض .

و كان مالك يكره الدفاف والمعازف كلها حتى في العرس .

وعن الشافعي أنه قال: "خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن." والتغبير هو شعر مزهد في الدنيا يغني به مغن ويضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو نحوه .

ونص أحمد على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره، إذا رآها مكشوفة، وأمكنه كسرها

وقال ابن قدامة : "الملاهي ثلاثة أضرب؛ محرم، وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها، والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته .... إلخ .

ويقول الأوزاعي : لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف .

وأفتى البغوي بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها .

وأما التأويلات الباردة والتحريفات السمجة في التفريق بين الموسيقى الهادئة وغير الهادئة والعسكرية وغير العسكرية والتي تبعث على النشاط والتي لا تبعث فيكفي في التعليق عليها أن نذكر هنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على حديث استحلال المعازف الذي رواه البخاري حيث يقول :

لعل الاستحلال المذكور في الحديث إنما هو بالتأويلات الفاسدة، فإنهم لو استحلوها مع اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرَّمها كانوا كفاراً، ولم يكونوا من أمته ، ولو كانوا معترفين بأنها حرام لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي، ولما قيل فيهم "يستحلون" .... واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة ، وهذا لا يحرم ، كألحان الطيور ... وهذه التأويلات ... واقعة في الطوائف الثلاثة التي قال فيها ابن المبارك رحمه الله تعالى :

وهل أفسد الدين إلا الملوك          وأحبار سوء ورهبانها

ومعلوم أنها لا تغني عن أصحابها شيئاً بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّن تحريم هذه الأشياء بياناً قاطعاً للعذر، كما هو معروف في مواضعه .

ونختم بمقولة له تبين حقيقة المعازف وما تبعثه في النفس وكذا لتلميذه ابن القيم رحمه الله :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل الكؤوس .

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء" :

حب القران وحب ألحان الغنا              في قلب عبد ليس يجتمعان

وأما الشبهات التي يتعلق بها المتعلقون فهي كبيت العنكبوت ومن ذلك حديث الجاريتين وهو حجة في تحريم الدف حيث سماه أبو بكر بحضرة رسول الله r مزمار الشيطان ورخص فيه النبي r مبينا السبب أنه في يوم عيد وهذا يعني عدم جوازه في غيره .

وحديث سماع ابن عمر للراعي وهو حجة في تحريم المزمار لأن ابن عمر سد أذنيه مع أنه لم يكن مستمعا وإنما سامعا بلا قصد وبينهما فرق واضح فالأول هو المحرم وأما الثاني فلا ولكنه لزيادة ورعه سد أذنيه حتى عن السماع .

ومن ذلك بعض النصوص الخاصة بالدف في العرس أو قبل التحريم أو متعلقة بالغناء دون معازف وهذه لا علاقة لها بموضوعنا . نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق للجميع .

وكتب

محمد بن رزق بن طرهوني