برنامج «صُناع الحياة» للداعية التلفزيوني عمرو خالد فعل نهضة أم بيع أوهام؟







غازي التوبة

قدّم الداعية عمرو خالد برنامجين خلال مسيرته الدعوية من خلال قناة «اقرأ» الفضائية، الأول: «ونلقى الأحبة» لسنوات عدة، وقام هذا البرنامج على الوعظ والإرشاد والرقائق وإصلاح القلوب إلخ... والأرجح ان هذا البرنامج ادى دوره بنجاح في التوجيه الى الاخلاق الحميدة من خلال الوقائع التاريخية، والثاني: «صنّاع الحياة» استهدف منه إحداث نهضة في الأمة، وحل مشكلاتها الثقافية والنفسية والتربوية والصناعية والزراعية والمعاشية، وقد مضى على تقديمه اكثر من عام.

قبل مناقشة البرنامج الثاني لا بد من الاشارة الى ان استهداف النهضة أمر كبير. ومن الجلي ان كل المصلحين والمتطلعين الى النهضة اتفقوا على تشخيص معظم ظواهر الأزمة لكنهم اختلفوا على الحل، فقد التقوا على ان الفرد يعاني من امراض متعددة، وقد شاركهم عمرو خالد ذلك التشخيص، فأشار الى ان الفرد يعاني من امراض السلبية، وعدم الجدية، وعدم الاتقان، وضعف الارادة، وانه يعاني من مشكلات مرتبطة بالتفكير والعقل، ويعاني مشكلات في التعامل مع الوقت الخ... فكيف نظر عمرو خالد الى هذه المشكلات؟ وكيف عالجها؟

تحدث عمرو خالد عن تفشي السلبية عند الفرد المسلم في حلقتين من برنامجه، وسرد في الاولى أمثلة توضح المقصود بالأخلاق الايجابية، كما نقل قصصاً عن اشخاص ايجابيين من الصحابة وغيرهم، وتحدث في الحلقة الثانية عن معوقات الايجابية التي تجعل الفرد سلبياً فذكر اربعة معوقات هي: الخجل من الناس، والخوف من الخطأ، واليأس السريع عند فشل المحاولات الاولى، والشعور باستحالة مواجهة المعوقات الخارجية.

لكنه لم يظهر كيفية التغلب على هذه المعوقات، ولم يوضح الآلية التي يطرحها الاسلام للتخلص من هذه الامراض، واكتفى بدعوة الفرد الى التغلب عليها والتخلص منها، في حين ان المعطيات الشرعية في القرآن والسنّة تفرز آليات واسعة للتغلب على هذه المعوقات، تبدأ من الحديث عن فطرية الخوف، وعن الاشارة الى الخوف الذي اعترى بعض الانبياء في بعض المواقف، كخوف ابراهيم (عليه السلام) عندما جاءته الملائكة ولم تأكل من الطعام الذي قدمه لهم، وكخوف موسى وهارون عليهما السلام عند مواجهة فرعون، وعن الحديث المفصل عن تخويف الشيطان للعبد وإيهامه ووسوسته المتكررة وتزيين المعصية والبخل،


ولم يستفد عمرو خالد من المعطيات الشرعية التي تعالج اليأس والتي تدعو المسلم الى الاستسلام للقضاء والقدر حين الفشل في تحقيق أي هدف، الاستسلام الذي يأتي نتيجة امتلاء القلب بتعظيم الله، ونتيجة اليقين بأن ما حدث له بارادة الله، وان الاستسلام له والصبر عليه سيُعظم له الاجر وسيعلي مرتبته يوم القيامة. اما عن الشعور باستحالة المعوقات الخارجية فإن المسلم يتغلب عليه بأن يأخذ بالأسباب المادية والمعنوية لتحقيق الهدف من جهة، وان يتقي الله حق التقوى لكي يكسب عون الله له في تدبير المخارج لكل ما يعانيه من جهة ثانية، وان يتجه بالدعاء الى الله لكي يعينه على تحقيق هدفه من جهة ثالثة.

اما مرض عدم الجدية عند الفرد المسلم فقد سماه عمرو خالد «التفاهة» و»الهيافة» وتحدث عنه في اكثر من حلقة، ودعا الى التخلص من هذا المرض، لكنه لم يحدد الطريق الذي تُبنى به الجدية والذي أفرزه الاسلام في ملايين الشخصيات على مدار القرون الماضية والذي بدأ بنفي اللهو واللعب عن خلق الله – تعالى – للسماوات والارض، ونفى العبث عن خلق الانسان، والذي انتهى بمعرفة المسلم ان هناك محاسبة دقيقة، وان هناك سؤالاً، قال تعالى: (فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين) (الأعراف، 6)، وعندما يتأكد الانسان من وجود الحساب تبدأ الجدية، ويمكن ان نمثل بتلاميذ المدرسة، فلولا الامتحان ويقينهم بأن هناك اسئلة ستأتيهم لما جدوا في الحفظ والاستيعاب والسهر، ان يقينهم بالرسوب او النجاح هو الذي ولّد الجدية عندهم في التعامل مع المواد المدرسية،

من هنا يمكن ان نشير الى ان الآيات الكثيرة التي تحدثت عن البعث وعن الجنة والنار، وفصلت في وصف نعيم الجنة، وأطنبت في الحديث عن عذاب النار لم تأت عبثاً، انما جاء القصد منها توليد الجدية في شخصية المسلم وإيقاظه من غفلته وتوعيته الى الافادة من صحته وجسمه وعقله ووقته وعلمه في ما يرضي الله تعالى وفي ما يعود بالخير عليه وعلى مجتمعه لأنه سيسأل عن كل تلك النعم، وسيحاسب عليها حساباً دقيقاً، ثم سيكون مآله الى الجنة او الى النار.

ثم تحدث في حلقات اخرى من «صنّاع الحياة» عن مرض عدم الاتقان عند المسلم المعاصر فذكر ان هناك اربعة اسباب لعدم الاتقان، هي: تعمّد عدم الاتقان لتحقيق مكاسب مادية، او الجهل، او الإهمال والتكاسل، او عدم ادراك لذة الاتقان، ولو تفحصنا الاسباب السابقة التي ذكرها عمرو خالد لعدم الاتقان لوجدنا انها اسباب ثانوية في معظم الاحيان وليست اسباباً رئيسة لأنها مرتبطة بحالات فردية، فهو قد ذكر ان عدم الاتقان مرتبط بتحقيق مكاسب مادية او بالجهل او بالإهمال والتكاسل، لكن الحقيقة هي ان شخصاً يمكن ألا يتقن عمله من دون تحقيق أي مكاسب مادية، وكذلك يمكن للعالم في أمر ألا يتقن عمله، ويمكن للشخص النشيط ألا يتقن عمله.

ثم ذكر عمرو خالد الاسباب التي تدفع الى الاتقان فحددها بأربعة عوامل: ان يكون عندك هدف في الحياة، وان تملك ارادة قوية، وان تملك صبراً، وان تتحلى بالعلم والخبرة، لكن المتفحص لتلك العوامل يجد انها مطلوبة لأداء أي عمل مهما كان المستوى الذي يؤدي فيه العمل، فلا بد لكل عمل من وجود هدف قبل ادائه، ولا بد له من ارادة من اجل انجازه، ولا بد من صبر اثناء انجازه، ولا بد من علم وخبرة قبل الابتداء بانجازه، وبعد التفنيد السابق لأسباب عدم الاتقان عند عمرو خالد، وللعوامل المؤدية للاتقان نسأل: ما العالم الرئيس الذي يولد الاتقان في نظر الاسلام؟ العامل الرئيسي الذي يولّد الاتقان في نظر الاسلام هو مراقبة الله او مراقبة الناس، وقد حرص الاسلام على ان تكون الاولوية لمراقبة الله، لذلك وجه المسلم الى توليد اليقين بمراقبة الله، وذلك من خلال تفعيل الحديث عن صفات الله بأنه يسمع – تعالى – أقوالنا، ويبصر – تعالى – أعمالنا، ويعلم – تعالى – اسرارنا ووسوسة صدورنا، وقد تحدثت عشرات الآيات في القرآن الكريم عن تلك الصفات.

ثم تحدث عمرو خالد عن الإرادة وبنائها، وذكر في حلقات أخرى من برنامج «صنّاع الحياة» العوامل التي تولّدها فحددها بأربعة: القدرة على تخيّل الهدف، وملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه، وتخيل الجنة. ولا تبني تلك العوامل التي ذكرها عمرو خالد الإرادة بل تبني في أحسن الأحوال الخيال والعقل، وقد دعا عمرو خالد مشاهدي برنامجه الى الجري كل يوم لمسافة ستة كيلومترات ليصبح الجري في الأسبوع لمسافة 42 كيلومتراً، وهي تعادل مسافة سباق الماراثون المشهور عالمياً، واعتبرها الوسيلة الرئيسة التي تبني الإرادة، مع أن الاسلام يمتلك عشرات الوسائل لبناء الإرادة، وتقويتها، وشحذها في اليوم والليلة، وأبرزها العبادات التي تشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر وتلاوة القرآن الخ... ويبدأ بناء الإرادة منذ أذان الفجر حين يكون المسلم مشدوداً الى فراشه، وعند قيامه الى الصلاة والذهاب الى المسجد فيكابد شهوة النوم، فهذه المكابدة تعتبر من الوسائل الأولى التي تبني الإرادة، وعندما يعقل المسلم ما يقرأه في صلاته، وما يسمعه من إمامه يكون ذلك من أهم الوسائل التي تُقوّي الإرادة وتجعل صاحبها قادراً على التركيز وعدم التشتت وعلى التحكّم في النهاية بذاته. وعندما يصوم المسلم شهر رمضان أو يتنفّل بصيام أيام أُخرى، فهذا الصيام يقوّي الإرادة، إذ يمتنع المسلم في هذا الصيام عن شهوات محبوبة لصيقة بذاته وهي شهوات الطعام والشراب والنساء من أجل محبوب أعظم هو الله تعالى. وعندما يُخرج المسلم الزكاة أو يتصدّق ببعض أمواله، فإخراج المسلم لبعض أمواله ينمّي إرادته لأن إخراج الزكاة والصدقات فيه تعظيم لأمر الله على تعظيم الخضوع للمال.

لم يوفّق عمرو خالد في حديثه عن أزمة الإبداع العقلي عند المسلم المعاصر، لأن الأسباب التي ذكرها ليست هي الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع، بل هناك سببان من الأسباب التي ذكرها، وهما: أسلوب التعليم وأسلوب التربية القائمان على التلقي يدخلان في المشكلة التربوية للمسلم المعاصر، أما السببان الآخران وهما عدم انتقاء وسائل الإعلام للبرامج المفيدة لبناء العقل والفهم الخاطئ فهما نتيجة لأزمة الإبداع وليسا سبباً لها، أما الأسباب الحقيقية لأزمة الإبداع فهي مرتبطة بأمور أبعد مما ذكره عمرو خالد، مرتبطة بانتشار التصوّف الذي عطّل الاجتهاد العقلي وربط التوصل الى الحقيقة بعملية الكشف، ومرتبطة بانتشار العقيدة الأشعرية التي عطلت الأسباب من أجل الرد على الفلاسفة القائلين بقِدم العالم وبفاعلية الأسباب، ومرتبطة بانقسام التعليم منذ القرن التاسع عشر الى مدرستين: مدرسة تقوم على دراسة العلوم الدنيوية ومدرسة تقوم على دراسة العلوم الشرعية، ومرتبطة بعنف التغريب الذي مزّق الشخصية المسلمة خلال القرنين الماضيين.

الخلاصة لم يستطع عمرو خالد أن يعلل الظواهر التي تحدّث عنها تعليلاً صحيحاً، وهي: ظواهر السلبية وعدم الجدية وعدم الاتقان بناء الإرادة وأزمة الابداع العقلي عند المسلم المعاصر، ولم يستطع أن يقدم لها العلاج المناسب، وهذا القصور في التعليل وفي تقديم الحلول هو الذي يجعلنا نقول جواباً عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال: لن يحدث برنامج «صنّاع الحياة» نهضة بل يبيع أوهاماً لمشاهديه. لأن النهضة تتطلب تعليلاً دقيقاً لواقع المسلمين وأمراضهم من جهة، وحلولاً شرعية معمقة لذلك الواقع من جهة ثانية، ووعياً تفصيلياً بالتجارب النهضوية السابقة خلال القرنين الماضيين من جهة ثالثة، وإدراكاً لخريطة العلاقات المعقدة بين العالم العربي والحضارة الغربية من جهة رابعة.

*نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية
 

 

عمرو خالد .. وبرنامجه "صناع الحياة"
 
[الكاتب: أبو بصير]
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

فقد لفتت نظري هذه الدعاية المكثفة والواسعة لبرنامج عمرو خالد " معاً نصنعُ الحياة "، مما شدني لمتابعة بعض حلقاته والمنشورة في موقعه على الإنترنت.. فوجدت نفسي - من قبيل النصح الواجب وبيان الحق - مشدوداً لتسجيل بعض الملاحظات والتنبيهات العامة ذات العلاقة بموضوع البرنامج.. وهي:

1) من الإيجابيات التي تُذكر للبرنامج تناوله بعض المصطلحات والمفاهيم العامة بشيء من الشرح وبأسلوب تشويقي فيه تحفيز للهمم: كمصطلح الإرادة، والجدية، والإتقان، والإيجابية، وتذوق الفن والجمال، وأن يكون للمرء هدف يسعى إليه.. وغيرها من المصطلحات التي تناولها.. وهذا جانب يُشكر عليه.

2) لكنه قيد ثمار ونتائج هذه المفاهيم والمصطلحات بثمار ونتائج قاصرة ومتواضعة جداً لا تناسب الشعار المرفوع " صناع الحياة ".. فهو كان بعد كل مصطلح يشرحه ويتناوله يؤكد على التفوق في المجالات التالية: الكمبيوتر.. والكرة والرياضة.. والدراسة.. والعمل الوظيفي أو المهني.. والاهتمام بالشوارع.. والنظافة.. وإدارة البيت ونحو ذلك.. وكأنه يقول للسامعين: فأنا إذ أتناول لكم هذه المفاهيم والمصطلحات.. وأدعوكم لكسر القيود.. فلا أريد منكم أبعد من ذلك.. فأنا لا أريد منكم تكسير القيود لتكسروا عروش الطواغيت الظالمين الجاثمين على صدوركم.. وصدور الأمة ومقدراتها وخيراتها.. فهذا عنف وإرهاب.. فأنا لا أريده ولا أدعو له ولا أقصده.. ولا ينبغي أن تنصرف أذهانكم وهممكم إليه!

فأنا إذ أدعوكم للانطلاق.. وتكسير القيود.. وصناعة الحياة.. لا أريد منكم الأهداف العامة.. التي لا حياة ولا عزة ولا نجاة للأمة من دونها.. كالعمل من أجل استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة.. ودولة إسلامية.. تسوس الدنيا بالدين.. وتحكم البلاد بشريعة رب العالمين!

لا أريد منكم تكسير القيود لتنطلقوا لتحرير الأمة من طواغيت الحكم الخونة والعملاء.. الذين باعوا البلاد والعباد للمستعمر الأجنبي بثمن بخس!

لا أريد منكم تكسير القيود لتحرروا بلاد المسلمين من أيدي الغزاة المحتلين.. فهذا المعنى لا أريده.. ولا أريد أن تستشرف أنظاركم إليه!
وهذا لا يتناسب مع الشعار الضخم المرفوع " صناع الحياة ".. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات التعجب والاستفهام.. حول البرنامج.. وشعاره.. وأهدافه.. ونتائجه!

3) استثنى من خطابه الأنظمة الحاكمة.. وحكوماتها.. وطواغيت الحكم.. بل والأحزاب والجمعيات.. والمنظمات.. على أنها هيئات رسمية مصانة.. لا يجوز الاقتراب منها.. وليس من سياسة ومنهاج الأستاذ الاقتراب منها بشيء من النقد والتوجيه!!

بل هو ما إن يقترب من ساحة أي مسؤول حكومي - مهما كان صغيراً - إلا وتراه يبجله ويزكيه، ويُطريه بما ليس فيه؛ كقوله مثلاً عن محافظ الإسكندرية: " هو شخصية عظيمة وجديرة بالاحترام "، ولا ندري ما الذي عظَّم الرجل وجعله يستحق التعظيم.. وهو ركن من أركان نظام طاغٍ وفاسد!

لا أدري كيف سيصنع الحياة.. ويعيد للأمة مجدها وعزها وحياتها.. وهو يستثني من خطابه العناصر الفاعلة والمؤثرة والموجِّهة من حكام، ووزراء، وقادة.. وحكومات.. وهيئات.. وغيرهم من العناصر المتنفذة.. ويتجاهل أثرهم البليغ على الأمة.. وعلى حياتها وتقدمها!

كيف سيصنع الحياة.. وهو يتجاهل طواغيت الحكم الجاثمين بظلمهم وكفرهم وأنظمتهم الفاسدة على صدر الأمة ومنذ عدة عقود.. كعقبة كأداء أمام أي عملية تغيير أو إصلاح أو نهوض أو تقدم؟!

فإن قيل: لا يستطيع أن يذكرهم وأنظمتهم بسوء.. وإلا فسوف يُمنع من الحديث عبر الشاشة الصغيرة!

نقول له: إذاً لا ترفع شعاراً كبيراً وضخماً كشعار " صنَّاع الحياة "، لا طاقة لك به.. ولم ترق إلى مستواه.. وارفع شعاراً آخر يليق بالمقام، وبظروفك وإمكانياتك، وقدراتك.. فمن أراد أن يُعالج داء من الأدواء العضال - كهذا الذي استشرف له الأستاذ - لا بد له أولاً من أن يملك الشجاعة على تحديد الداء ومكمنه.. وأسبابه.. ثم ينظر في العلاج ووسائله!

ونقول له كذلك: أنت تحتاج إلى أن تتحرر من قيود الخوف من طواغيت الحكم والظلم.. فهلاَّ تحررت من قيودك التي تمنعك من الصدع بالحق في وجوه الطغاة الظالمين - وما أكثرهم - قبل أن تعمل على تحرير الآخرين من قيودهم؟!

ونقول كذلك: لا بد للداعية إلى الله تعالى من بلاء يواجهه وهو في طريقه نحو الدعوة إلى الله يصبر عليه.. يُميز الله فيه الخبيث من الطيب، ويُظهر فيه الحق من الباطل.. كما لا بد له من أن يضع نصب عينيه دائماً مبدأ يقول: مرضاة الله تعالى مقدمة على مرضاة الناس.. أمَّا لا هذه ولا تلك.. فليراجع المرء حينئذٍ نفسه، ولينظر أين هو من دين الله.. وأين هو مما ينبغي أن يكون عليه الدعاة إلى الله!

4) أكد أكثر من مرة أن المعني من خطابه، وبرنامجه المذكور، هم: " الشباب، والأمهات، وربات البيوت؛ وأعني بالشباب الشباب المسلم والمسيحي.. هذا البرنامج للمسلمين والمسيحيين [1]". هذا نص كلامه!

ونحن نقول: الجزء الأكبر من المشكلة.. بل ومن مشاكل الأمة.. ليست صادرة من الشباب، ولا من الأمهات وربات البيوت.. حتى يتوجه لهم الخطاب.. وإنما من طواغيت الحكم الذين يوجهون الشعوب - وبخاصة منها الشباب - ويُسيسونها وفق أهوائهم ومصالهم.. وشهواتهم.. وسياساتهم الباطلة الظالمة والفاسدة.. وليس للشعوب إلا أن تسير في القناة التي يحددها لهم الطاغوت.. وإلا فويل السجون.. وقطع الأعناق والأرزاق ينتظرهم!!

ثم هذا الإصلاح الجزئي والمتواضع الذي يقوم به الناس خلال سنة.. والذي يعنيه صاحب البرنامج من برنامجه.. تدمره وتزيل أثره وفاعليته الأنظمة الطاغية الحاكمة الفاسدة بسويعات.. لما تملكه من وسائل ضخمة وواسعة التأثير!

هاهم الإصلاحيون الذين لا يتناولون المشكلة من جميع جوانبها وأبعادها.. وإنما يُعالجون الأمراض المستعصية بمسكنات سرعان ما يذهب أثرها.. لهم أكثر من خمسين سنة وهم عاكفون على منهجهم الإصلاحي هذا.. لكن الفساد وكذلك الظلم والكفر والفجور.. مستشرٍ في الأمة وفي ازدياد.. وتوسع.. حتى أصبح - في نظر كثير من الناس - الحقُّ باطلاً والباطل حقاً.. وأصبح المسلم غريباً في بلده وبين أهله.. يتنكره كل من حوله.. وسبب ذلك كله يعود لما يملكه الطاغوت الحاكم ونظامه الفاسد من وسائل فتاكة واسعة الانتشار.. وسريعة التأثير.. تهدم بسويعات بل بدقائق ما يبنيه هؤلاء الإصلاحيون بعشرات السنين!!

نحن لا نقلل من دور عامة الناس في عملية التغيير والإصلاح المنشود.. ولا من دور هؤلاء المصلحين.. ولكن كذلك لا يجوز أن نقلل من أهمية ودور الأنظمة الطاغية الحاكمة.. أو نتجاهلها.. كعقبة كأداء - لا بد من استئصالها - أمام أي عملية تغيير نحو الأفضل تنشدها الأمة.. وينشدها الشباب المسلم!

تباكى الأستاذ على الطاقات والموارد المهدرة للأمة.. لكنه لم يجرؤ أن يُحدد أو يُشير إلى المسؤول الأول عن هذا الهدر للطاقات وللموارد.. وعن ماهية هذه الطاقات والموارد المهدرة؟!

من المسؤول - يا عمرو خالد - عن مئات الآلاف من الطاقات العلمية والنادرة للأمة.. والمهجرة تهجيراً قصرياً خارج أوطان المسلمين.. الأمهات وربات البيوت.. أم طواغيت الحكم وأنظمتها الظالمة الفاسدة؟!

هذا الشاب العبقري الذي تكلمت عنه.. والذي اكتُشفت عبقريته منذ وقت مبكر.. والذي تحرص اليابان أو غيرها من البلدان على التعاقد معه.. من المسؤول عن هجرته من وطنه وهو لا يزال في أول شبابه وعطائه.. وما أكثر شباب الأمة من مثل هذا الشاب.. الأمهات.. وربات البيوت.. أم طواغيت الحكم والفساد والجهل والظلم في بلادنا؟!

من الأولى بأن يوجه إليهم الخطاب: الأمهات وربات البيوت.. أم طواغيت الحكم والظلم؟!

الأمة - يا عمرو خالد - لا ينقصها العلماء والعباقرة.. وإنما ينقصها الأنظمة السياسية التي تحترم وتقدر الإنسان؛ وبخاصة العلماء، وذوي الكفاءات المميزة!

من الذي يروج لهذه المخدرات والمسكرات.. وغيرها من السموم التي سميتها " بالمكيفات الخمس ".. والتي تفتك بعقول الناس وأجسادهم.. ويحميها بقوة القانون.. الأمهات وربات البيوت.. أم طواغيت الحكم والكفر والظلم.. ليشغلوا شعوبهم بها عما هم فيه من غي وإسراف، وفجور، وخيانة، وعمالة؟!!

من الذي يهدر طاقات وأوقات الشباب المسلم بالمسلسلات التافهة الساقطة.. والأفلام الداعرة الماجنة.. والتي تعمل على مدار الساعة والوقت.. الأمهات وربات البيوت.. أم طواغيت الحكم.. وأنظمتهم الفاسدة العميلة؟!

أشار الأستاذ وفي أكثر من حلقة من حلقات برنامجه المذكور.. عن ضرورة وأهمية جمع الثياب المستعملة كمورد من الموارد المهدرة لتوزيعها على الفقراء.. وكذلك جمع فضلات الطعام التي تُترك وراء المتخمين من أغنياء الأمة.. بدلاً من أن تُهدر وتُلقى في القمامة.. وهذا شيء جيد لا ننكره عليه.. ولكن الذي ننكره عليه أشد الإنكار - ما دام يتكلم عن الطاقات والموارد المهدرة - لماذا لا يتكلم عن موارد البترول ومشتقاته.. عصب الصناعات كلها.. بل وعصب الحياة.. الذي يُهدر بثمنٍ بخس على أيدي مبذري ومسرفي طواغيت الأمة؟!

لماذا لم يتكلم الأستاذ عن المليارات من الدولارات من أموال الأمة التي ينفقها ويهدرها الحكام والملوك والأمراء على شهواتهم ونزواتهم.. في ميادين الميسر وبارات الكفر والعهر في بلاد الغرب وغيرها.. بينما الشعوب المقهورة تشكو الفقر والجوع؟!

بلادنا بثرواتها وخيراتها ومواردها العظيمة كلها.. ضاعت بأيدي الغزاة المحتلين.. على أيدي عملائهم من الطواغيت المرتدين.. والأستاذ عمرو يعرض عن هذا كله.. ليكلمنا عن الثياب المستعملة.. وفضلات الطعام التي تُرمى من وراء المترفين!!

يهدر طاقات الشباب.. بالبحث عن الثياب المستعملة.. وفضلات الطعام.. بدلاً من أن يهدرها ويوجهها إلى ميادين الجهاد والتحرير.. من ظلم وطغيان المغتصبين لحقوق البلاد والعباد.. عسى أن تُعيد الأمة بعض حقوقها المغتصبة والمسلوبة.. ومنذ زمن!

يتكلم عن هدر الطاقات.. ثم نراه يهدر الطاقات في غير مكانها المناسب!!

5) تجاهل صاحب البرنامج مصطلحات ومفاهيم هامة لا صناعة للحياة من دونها: كمصطلح ومفهوم العدل والعدالة؛ إذ لا حياة مع الظلم.. ومفهوم الحرية بضوابطها الشرعية؛ إذ لا حياة ولا تقدم ولا عطاء مع القهر، والخوف، والكبت، وكتم الأنفاس.. ومفهوم ومصطلح الشورى؛ إذ لا حياة صحيحة وراقية مع التصرف الفردي والديكتاتوري، وبخاصة عندما تكون القرارات على مستوى الأمة ومصالحها.. ومفهوم وأهمية الحكم بما أنزل الله؛ إذ لا حياة سوية بغير الحكم بما أنزل الله، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

فإن قيل: علامَ الأستاذ لم يتناول هذه المصطلحات والمفاهيم.. ولم تُدرج في خطة برنامجه.. رغم أهميتها في صناعة الحياة.. بل لا حياة من دونها؟!

الجواب أصبح معلوماً للجميع؛ وهو أن هذه المصطلحات والمفاهيم لها مساس مباشر بالحكم والحكام.. فلا يمكن تناولها من دون الاقتراب من جنابهم المصان.. وهذا الذي قطع الأستاذ على نفسه أن لا يقترب منه.. وأن لا يحوم حول حماه.. ولو بمجرد التلميح!!

لكن من حقنا وحق جميع المراقبين أن يسألوا: كيف ينشد الأستاذ شعاراً ضخماً بحجم شعاره " صناع الحياة "، ثم هو لا يريد أن يقترب من ساحة طواغيت الحكم وأنظمتهم الفاسدة بشيء من النقد والتقييم والنصح.. رغم أنها وراء كل فساد.. وكل تخلف؟!

ونحن نقول له للمرة الثانية والثالثة.. والعاشرة: تحرر يا عمرو.. من قيود الخوف وسلاسله.. قبل أن تتحرك لتحرير الآخرين من سلاسلهم وقيودهم!!

لا تسع لأمر أنت لا تملكه.. ففاقد الشيء لا يُعطيه!

6) أكثر من الحديث عن ظاهرة تفشي البطالة.. والتخلف الاقتصادي الذي تُعاني منه الأمة.. وأحزن قلوبنا بالأرقام الضخمة التي تدل على تخلف الأمة وواقعها المتردي.. وكعادته إذ حدد الداء فإنه لم يجرؤ على تحديد المسؤول عنه.. ولا الأسباب المؤدية إليه.. ولا الدواء الذي يؤدي إلى علاجه واستئصاله!

ونحن نساعده في تحديد ذلك:

أما المسؤول عن ذلك: فهم الحكام الخونة والعملاء الفاسدين.. الذين لا يهمهم من شؤون الحكم والملك إلا مصالحهم الخاصة.. وسلامة عروشهم.. ومكاسبهم.. ولو ماتت شعوبهم جوعاً وفقراً!

هم الحكام الذين ولوا وجوههم نحو الشرق أو الغرب.. بعد أن كفروا بشرع الله وحكمه!

هم اللصوص من المسؤولين الذين لا يُسألون عما يفعلون.. من ذوي الجيوب المخرومة.. والبطون المنتفخة بالحرام.. والتي لا تشبع.. ولا يُملئها إلا التراب!

أما الأسباب المؤدية إلى هذا البطالة والتخلف الاقتصادي: إضافة إلى ما تقدم ذكره عن المسؤول.. هي ظاهرة تفشي الربا.. والعمل به.. والتقنين له.. على مستوى الأمة كلها، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

هو تنحية شرع الله تعالى عن ميادين الحكم.. واستبدالها بالقوانين الوضعية التافهة.. القوانين الجاهلية، والله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. فنتج عن ذلك هذا التخلف المشار إليه!

لا يُمكن أن تستقيم الحياة.. أو نصنع الحياة التي نحلم بها وندعو إليها.. مع تغييب شرع الله عن ميادين الحكم والتوجيه.. واستبدالها بالذي هو أدى؛ بالقوانين الوضعية؛ صنيعة البشر التي ينتابها الضعف والنقص والجهل من كل حدَب وصوب!

أما الدواء فهو يكمن بإزالة أسباب الداء المؤدية إليه والمشار إليها أعلاه.. والإتيان بضدها.. ولا أحسب عمرو خالد يجرؤ على التصريح بذلك لأنه مكبل بقيود وسلاسل الخوف.. وقيود وسلاسل حب الظهور عبر الشاشات الصغيرة.. يحتاج إلى من يحرره منها!

7) هذا الذي يطرحه عمرو خالد.. وورشات العمل التي يشجع على العمل بها.. ويُتابع نتائجها بحماس عبر حلقات برنامجه أولاً بأول.. لا تعدوا كونها مسكنات.. تُسكت وخذ الضمير وعتابه المتلاحق.. لواقع مستعصٍ مريض مرير ومستحكم في المرض.. لا علاج له سوى الاستئصال ومن جذوره، وملاحقة أسبابه البعيدة والقريبة.. وليس مجرد ردم الحفر في الطرقات.. أو جمع أكياس من الثياب المستعملة!

ما الذي حصل..؟!

هذا الشاب الذي فهم الإيجابية بردم حفرة في الطريق.. أو جمع كيس من الثياب المستعملة أو نحو ذلك من الأعمال التي كان عمرو خالد يكثر من الدندنة حولها.. ثم هو قام بأي عمل من تلك الأعمال.. تراه استراح من وخذ الضمير.. ومن ملاحقة الشعور بالتقصير عما يجب عليه القيام به نحو أمته.. فهو بعد اليوم لا يمكن أن يوصف بالسلبية أو التقصير، أو عدم الإيجابية؛ لأنه فعل هذا الذي أشار إليه عمرو خالد؟!

وأنا هنا لا أبخس من فضل ردم الحفر.. أو جمع الثياب المستعملة من أجل الفقراء.. لا.. وإنما أريد أن أقول للشباب المسلم: مهمتك لا تنتهي عند ردم الحفر.. وجمع الثياب المستعملة.. فحذار ثم حذار أن تتوقف الهمم عند هذا الحد.. أو يتوقف وخذ الضمير ومحاسبة النفس عند القيام بأي عمل من تلك الأعمال.. فالأمة مصابة بجرح عميق وكبير.. وهي بحاجة منك إلى بذل الكثير الكثير ليلتئم جرحها!

الأمة عطشى.. وهي منذ زمنٍ - ليس بالقليل - تستغيث ولا مُغيث.. ولا يرويها إلا دم أبنائها الطهور.. عسى أن تطهر مما علق بها من رجس الطواغيت الظالمين!

إن رضيت نفسك منك أي شيء دون الشهادة في سبيل الله.. فاعلم أنها ضَعف في الهمة.. وزَلَّة نفسٍ.. وضحكة من ضحكات إبليس قد ضحكها عليك!

8) تعمد صاحب البرنامج عدم ذكر السبيل الشرعي الذي به تُصنع الحياة.. والذي دلت عليه عشرات النصوص الشرعية.. ألا وهو الجهاد في سبيل الله!

فالأستاذ لم يتطرق لذكر الجهاد في سبيل الله في جميع حلقات برنامجه.. مع علمه المسبق أن لا عزة.. ولا وجود.. ولا حياة للأمة من دون الجهاد في سبيل الله.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

قال المفسرون: أي إذا دعاكم للجهاد في سبيل الله الذي فيه حياتكم وعزكم، وبه تُصان حرماتكم.

وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وقال تعالى: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

والعذاب المراد هنا هو عذاب الدنيا والآخرة، والسؤال: أي حياة ننشدها مع ترقبنا لنزول عذاب الله ونقمته وسخطه بنا؟!

وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، اصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة "[2].

وقال صلى الله عليه وسلم: " ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب "[3].

فأي حياة ينشدها عمرو خالد للأمة مع هذا العذاب الذي يتهدد الله به المتخلفين عن الجهاد؟!

وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "[4].

أي حتى ترجعوا إلى جهادكم.. وتتحرروا من معوقات الجهاد في سبيل الله الوارد ذكرها في الحديث!

وقال صلى الله عليه وسلم: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم - أي تجتمع وتتكالب - كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن. فقال: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "[5].

أي كراهية الموت في سبيل الله في ساحات الإقدام والجهاد!

وغيرها كثير من النصوص الشرعية الدالة على أن لا عزة ولا حياة ولا وجود للأمة من دون الجهاد في سبيل الله.. وأيما خيار غير خيار الجهاد.. أو يتغاير مع خيار الجهاد؛ فهذا يعني مزيداً من الذل، والعذاب، والضياع، والهوان في أعين الأعداء!

فإن قيل علام تعمَّد الأستاذ إخفاء هذه الحقيقة الشرعية الساطعة.. رغم أنه ظل يعد لموضوع برنامجه أشهراً.. ولم يدع شيئاً ذا صلة بموضوعه - حتى في كتب غير المسلمين - إلا واطلع عليه.. كما ذكر ذلك عن نفسه؟!

أقول: الجواب تعرفه في النقطة التالية:

9) وهي أن عمرو خالد يطرح نفسه.. وبرنامجه المذكور كخيار بديل عن طرح الجهاد والمجاهدين.. وهو يريد أن يقول وبكل وضوح: تُصنع الحياة المُثلى والمطلوبة على طريقتي هذه التي أبينها لكم.. وليست على طريقة الجهاد والمجاهدين.. وما يرتكبونه من أعمال.. فمن كان متشوقاً للعمل من أجل حياة أفضل.. فبرنامجي " صناع الحياة "، هو البرنامج الأفضل، وطريقته هي الطريقة المثلى..

وهذا أخطر ما يرمي له عمرو خالد من برنامجه!

لذا كان طيلة حلقات البرنامج متحرجاً أشد الحرج من أن يبين أن مما تُصنع به الحياة الجهاد في سبيل الله.. وأن صانع الحياة أو من صانعيها المجاهد في سبيل الله!!

فإن قيل: كيف تحكم على قصد الرجل وأنه يرمي لهذا المعنى.. وهو لم يُصرح به لفظاً وصراحة؟!

أقول: هذا المعنى وإن لم يُصرح به لفظاً إلا أنه دلت عليه قرائن عدة:

منها: أنه لم يقترب طيلة عدد حلقات البرنامج من ذكر دور الجهاد والمجاهدين في صناعة الحياة، رغم تعلق موضوع الجهاد والمجاهدين بمادة برنامجه تعلقاً مباشراً.

ومنها: أنه لم يقترب من ذكر طواغيت الحكم وأنظمتهم الفاسدة بسوء.. فهو يدعو المسلمين لصناعة حياتهم المثلى.. ولكن في ظل حكم هؤلاء الطواغيت.. وظل أنظمتهم العميلة الفاسدة.. لذا لقي البرنامج وصاحبه منهم كل رعاية وعناية.. وصنعوا له من الدعاية ما لم يُصنع لغيره!

ومنها: أنه في كثير من المواضع والمواقف يصف الجهاد والمجاهدين بالعنف والإرهاب والإرهابيين للتنفير منهم.. يتبع في ذلك أسلوب ومصطلحات أعداء الإسلام والمسلمين!

ومنها: أن شاباً حائراً بين رغبته في التطوع للجهاد وبين موقف والديه الرافض تماماً لذلك.. هل يذهب للجهاد.. ولو ذهب هل هو مخطئ أم على صواب.. يسأل هذا السؤال لعمرو خالد كما هو منشور في موقعه؟

فجاء ملخص جواب عمرو خالد له بأنه لا يجوز أن يذهب.. ولا أن يخسر حياته في معركة خاسرة.. وأنه إذا أراد أن يجاهد فعليه أن يجاهد من أجل الحياة.. وأن يكون متفوقاً وناجحاً في عمله ودراسته.. كما ونصحه بأن ينتظر برنامجه " صناع الحياة " حيث سيجد في البرنامج إجابة شافية عما سأل عنه.. وعما يجب عليه القيام به.. والسؤال والإجابة منشوران في موقعه على الإنترنت يمكن لمن شاء مراجعتهما!!

إذاً برنامجه " صناع الحياة " ما هو إلا إجابة.. لمن يسأل عن الطريق والسبيل.. وهو بديل آخر لمن يريد أن يقوم بواجب الجهاد في سبيل الله.. فمن أراد أن يُجاهد فعليه أن يُجاهد على طريقة عمرو خالد.. وعلى طريقة برنامجه " صناع الحياة ".. وهذه النية من عمرو خالد مبيتة قبل عرض ونشر برنامجه المذكور!!

ومنها: أن مما يؤكد هذا المعنى هو ما نشرته القناة العربية في موقعها على الإنترنت تحت عنوان " لندن تحارب التطرف بعمرو خالد "، ونقلت عن تقارير محلية كيف يُعد الرجل لهذه المهمة ومعه ثلاثة ممن هم على طريقته ومنهجه وأسلوبه!!

ولا يخفى اللبيب أن التطرف الذي يعنونه.. ويريدون أن يواجهوه هو كل إسلام لا يرضونه ولا يريدونه.. وهذه المهمة ليس لها إلا الفارس المقدام عمرو خالد.. فتأمل!!

ومما جاء في التقرير قولهم: " أن المظهر الأنيق لعمرو خالد؛ الذي يرتدي بذلة وربطة عنق، ولا يظهر كما هم الأئمة والدعاة الإسلاميون عادة حيث يرتدون جلابيب، بالإضافة إلى أن عمرو خالد يبدو حليق الذقن، يمكن أن يُعزز إسلاماً منفتحاً يواجه المد المتطرف.. والتمدد الأصولي " أهـ.

هذه هي مهمته التي يعدونه لها.. والتي عزم لها ورضيها منذ زمن.. ولا نشكوه إلا لله!

10) استدلاله بأعلام زنادقة وملحدين وإظهاره لهم على أنهم من علماء المسلمين، كاستدلاله بابن سينا وإطرائه له.. وهذا فيه تضليل لعامة الناس حول حقيقة هؤلاء الملحدين!

قال ابن تيمية في كتابه " منهاج النبوة " [6]: "ومن دخل في أهل الملل منهم كالمنتسبين إلى الإسلام؛ كالفارابي وابن سينا ونحوهما من الملحدين! ومن بقايا هؤلاء الملاحدة الذين كانوا بخراسان والشام وغيرهما، وكان بيت أهل ابن سينا من المستجيبين لدعوتهم زمن الحاكم.." أهـ.

لذا فابن سينا يُعد من كبار أئمة الدروز.. وليس من أئمة وعلماء الإسلام!

11) ومما يؤخذ عليه كذلك تكراره عشرات المرات لمقولته - والتي عدها من جملة القواعد المتفق عليها! -: " مفيش حد بيحط في دماغه فكرة ويعيش علشانها.. ويبذل جهده علشانها.. إلا لازم يحققها قبل أن يموت ".. ومن دون أن يقول - ولا في مرة واحدة - إن شاء الله، والله تعالى يقول: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.

أكتفي بتسجيل هذا القدر من التنبيهات والملاحظات.. فأنا ما أردت منها استقصاء كل ما يؤخذ على الرجل وبرنامجه المذكور.. فهذا أمر يطول لو قصدناه.. ثم أني لا أملك الوقت لأجله..

وإنما أردت تدوين ما تقدم ذكره من ملاحظات وتنبيهات.. ناصحاً لصاحب البرنامج عساه أن يستفيد أو أن يُصحح من مساره ومسار برنامجه.. قبل حلول ساعة الندم، ولات حين مندم.. ومحذراً ومنبهاً القراء وكل من يتابع برنامج الرجل وحلقاته - وبخاصة من فُتن به من الشباب والشابات - من زلاته وأخطائه.. ومقصده ومراميه.. وأحسب أني - فيما ذكرته - قد وفيت هذا المطلب حقه.

 

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}


 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


 

عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
22/5/1425 هـ


 



1) أكثر من مرة عندما يأتي إلى ذكر النصارى وذكر شبابهم، يصفهم ويسميهم بما يُحبون أن يُسموا به زوراً: بالمسيحيين، والشباب المسيحي!!
وهذا خطأ من وجهين: الأول أن اسمهم نصارى كما سماهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.. وأحبارهم ورهبانهم لا يتنكرون لهذا الاسم.
ثانياً: أن المعنى لكلمة " مسيحي "؛ هو الذي يتبع المسيح عليه السلام وينتمي إليه.. وهم من أبعد الناس عن هذا المعنى والوصف.. ولو جاز التسمي بالانتساب لأسماء الأنبياء؛ كقولك مسيحي أو موسوي أو محمدي.. لكان المسلمون هم الأولى بهذا الاسم؛ لأنهم هم أتباع الأنبياء والرسل.. آمنوا بهم جميعاً.. لا يفرقون بين أحدٍ من رسل الله.. ولكن الله تعالى سمى المؤمنين الموحدين بالمسلمين فلا نحيد عنه، كما قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

2) صحيح سنن أبي داود: 2185.

3) أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 2663.

4) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة: 11.

5) أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة: 958.

6) 3/287-482.

 

 

 

 

 

لا اخفيكم باني كنت لفترة قريبة جدا من أشد المتابعين لعمرو خالد بل المشتركين في برنامجه صناع الحياة من خلال المشاركة في المموقع ولكن في الفترة الأخيرة لم يعد لدي الوقت الكافي لا للبرنامج ولا للموقع
عبد المنعم مصطفى حليمة
أبو بصير الطرطوسي
22/5/1425 هـ


 



1) أكثر من مرة عندما يأتي إلى ذكر النصا