اختراق الجان حجاب الرؤية


وأرى أن الاعتقاد الباطل في أرواح الموتى هو السبب في كثرة نشاط السحرة في المقابر، حيث يتم فيها دفن أوامر التكليف، لأنها من الأماكن المهجورة التي تعج بالشياطين، وخصوصا قرائن المتوفين، حيث تجتمع القرائن قربا من مقرونيها المقبورين بعد موتهم، إلى أن يأذن الله بموت هذه القرائن، ومن خلال المقابر يستحضر أصحاب تحضير الأرواح قرين فلان ومخاطبته، ويتم بطرق خاصة سوف نشرحها في حينها بإذن الله تعالى، وبالصور سوف نرى بأعيننا صورة لما يحضر في أثناء الجلسات.

فمن الممكن للجني بقدراته الفائقة على قدرات الإنس أن يخترق الحجاب بين عالم الإنس والجن ليظهر في عالم الإنس، فيراه جميع البشر، غالبا ما يكون في صورة مألوفة للبشر، بحيث لا يستطيعون تمييزه إذا كان جنا أم إنسا، ومن الممكن أن يظهر لشخص ما فيراه وحده، بينما لا يراه من حوله، وحدوث مثل هذا الاختراق يتم بواسطة السحر، حيث يقوم به أحد سحرة الجن، وعن أبي شيبة (أن الغيلان ذكروا عند عمر بن الخطاب فقال: (إن أحدًا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، لكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا). قال الحافظ: إسناده صحيح.( )

والأصل أن الله حجب الجن عن أعين الإنس فلا يرى الإنسي الجني، فامتناع الإنس من رؤية الجن لقوله تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف: 27]، أي أن الإنسي لا يملك القدرة على رؤية الجني، ويستثنى من هذا الحكم الأنبياء والمرسلين، فقد وروى البيهقي في " مناقب الشافعي " بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول: (من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، إلا أن يكون نبيا). انتهى

وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذا القول اختلافا كثيرا، خاصة أن هناك شواهد من الكتاب والسنة تثبت أن هناك من رأوا الجن، والواقع يشهد بأن من المصابون بالمس والسحر من يرون الجن، والسحرة يرون الجن أيضا، ومنه ما يطلق عليه الأطباء تجاوزا مصطلح (هلاوس سمعية وبصرية)، وهذا قد يبدو لأول وهلة تعارضا بين النص السابق، وبين شواهد تجزم برؤيتهم حسب ما لدينا من نصوص وفيرة، والحقيقة أننا لدينا سوء فهم للنصوص، واللبس الذي حصل في المسألة أن هناك فارق بين إمكان رؤية الإنسي للجني، وبين إمكان الجني الانتقال من عالم الجن إلى عالم الإنس، أي قدرة الجني على الظهور في عالم الإنس، وهذا يعني أن للجن قدرة أو حيلة ما تمكن الإنسي أن يراه، وهذا ما سأوضحه في مستعرض شرحي بإذن الله تعالى، والرد على هذا له صلة وثيقة بعلم وظائف الأعضاء، والذي يدرسه الأطباء.

فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن رؤية الأنبياء للجن تكون رؤية للجن على صورتهم التي خلقوا عليها، بينما رؤية غيرهم تكون بعد تصور الجن في صور بعض البشر أو الحيوانات، ولكن حسب علمي الخاص وما ورد أمامي من أدلة كثيرة لا مجال لحصرها خشية الإطالة، أن للجن صورا وأشكالا كثيرة، ولكن ما ثبت لي أن الأصل فيهم حسن الخلقة كالبشر تماما، هذا إلى جانب أن منهم أصناف حيات وكلاب وطيور فعن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجن على ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون)،( ) وأرى والله أعلم أن هذا النص على سبيل المجاز لا الحصر، فقد علمنا بالتواتر أن هناك أصناف خلاف ما ورد في النص كالقطط مثلا، وإنما تغلب الصور القبيحة على الشياطين من الجن، إبرارا بقسم إبليس عليه لعائن الله، قال تعالى: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه) (النساء: 119).

وإن كان الأصل امتناع رؤية الجن إلا أن هذه القاعدة لها استثنائات يطول بنا إيراد نصوصها، حيث ثابت إمكان تصور الجن وتشكله في صور مختلفة بحيث يتبدوا لنا، فلا نعلم كونهم من الجن، كما ظهر الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي هريرة ولعمر رضي الله عنهما، لكفار قريش وخاطبهم وهم لا يعلمون حقيقة كونه الشيطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم منهم شيئًا)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: (إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام رب (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسيا).( )

فهذا الحديث شاهد على إمكان ظهور الجن عيانًا بحيث يراه جميع الحضور، وغير ممتنع على إطلاقه، لقوله صلى الله عليه وسلم (حتى تصبحوا فتنظروا إليه) يفيد إمكان رؤيته من جميع البشر، فقد يرى المريض الجن في صورة أشباح وأشخاص أشكالهم مختلفة، مابين أشخاص معروفونلديه أحياءا وأمواتا، وصور الحيوانات المختلفة، أو وجوه قبيحة مفزعة، وهذا مما قد يثير الرعب والفزع لدى المريض، حتى أن كثير منهم شاب شعرهم رغم صغر سنهم وفي فترة وجيزة من شدة هول ما يرون.

كيف يرى الإنس الجن:
وتتم رؤية الإنسي للجني بحضور قرين الرائي من الإنس على عين ومخ مقرونه، ويتم الإبصار نتيجة لاشتراك عين القرين وهو من الجن مع عين مقرونه من الإنسن، وكذلك اشتراك مركز إبصار القرين مع مركز إبصار مقرونه، وبحضور القرين على نفس جهاز الرؤية لدى مقرونه تتم رؤية الجن وهو لا يزال في عالم الجن، ولم يخترق بعد الحجاب بين العالمين، وهذا يتم وفق شروط وضوابط خاصة، حيث لابد من وجود وسيط بين القرين او الجني وبين جسد الإنسان وأجهزته حتى يمكن حدوث هذا الاشتراك بين عالمين، وهذا الجسد هو (قرين مادة الجسم الجني) له صفات الإنسي وخصائص الجني، وسوف أشرحه مستقلا بذاته، فهو من الأبواب الجديدة في العلم التي لم يتطرق إليها العلماء بعد.

 


العين مجرد آلة مهمتها نقل الصور إلى مركز الإبصار في المخ من خلال العصب البصري



 


لاحظ تشريح العين وموضع العصب البصري وامتداده إلى الفص الخلفي من المخ



وعلى هذا فطالما أن الإبصار يتم عن طريق مركز الإبصار في المخ، فيمكن رؤية الجني والإنسان مغمض العينين، لأن الإبصار هنا يتم من خلال مركز الإبصار في المخ مباشرة لا من خلال العين، وفي بعض الأحيان يكون الجني ماثلا أمام الرائي فيراه من خلال عينيه، بعد ان تقع صورة الدجني على مركز الإبصار في المخ.

 


لاحظ الفص الخلفي من المخ والمسؤول عن عملية الإبصار
وترجمة الإشارات الواصلة إليه من العين إلى صور يدركها الإنسان



وعلى هذا يمكن رؤية الجن منامًا كما يمكن رؤيتهم يقظة، بشرط وجود وسيط من الجن يحضر على مركز الإبصار في مخ الرائي، وقد يكون الإنسان مصاب بالمس أو السحر والجن متسلطون على جسده ومسيطرون عليه، فيمكن لأحد الشياطين المعتدين عليه الحضور بدلا من القرين، وهذا بهدف ترويع هذا المريض، إلا أنه غالبًا ما يتم الإبصار من خلال قرين الرائي من الجن، وهو ما يقوم بتحضيره مدعي تحضير الأرواح، حيث يخضعون قرائن الحضور بالتعازيم الكفرية، فيرون قرين المتوفى بصوته وصورته أمامهم بواسطة عين قرائنهم، ويتأكد هذا لديهم إذا أخبرهم بأحداث ماضية وقعت بينهم وبين المتوفى، فيظنوا بذلك أنه روح المتوفى، لذلك قد يراه أحد الحضور بينما لا يراه الباقين، بسبب سيطرة المحضر على قرين الرائى فقط دون باقى الحضور، وهذا هو سر الكشف البصري والسمعين وهو الذي يعتبره الأطباء (هلاوس سمعية وبصرية) خروجا من مأزق اتهامهم بالجهل، وبحثهم عن أي سبب منطقي لما يجهلون به، كونهم يعدون هذه الأعراض تقع في دائرة تخصصهم.

 


لاحظ امتداد العصب البصري إلى فص المخ الخلفي
حيث مركز الإبصار الذي من خلاله يتحقق إبصار الأشياء



وتعليل ذلك أن العين هي مجرد آلة للرؤية فقط، ولكن عملية الإبصار وترجمة ما تراه العين يقع على مركز الإبصار في الفص الخلفي من المخ، لذلك فهناك فارقة بين الرؤية وبين الإبصار، لذلك قد يبصر النائم في منامه صورا كثيرة ومتعددة، أبصرها عن طريق مركز الإبصار في المخ، ولم يرها من خلال عينيه، لأن عينينه في أثناء النوم مغمضتين، فإذا اشترك مخ الجني مع مخ الإنسي أمكن للجني أن ينقل أفكاره إلى مخ الإنسي، وأمكن أن يرى الإنسي نفس ما يراه الجني، ويسمع نفس ما يسمعه الجني، لذلك أطلقت عليه مصطلح (الكشف السمعي والبصري)، وهذا هو السبب في أن المريض يرى ويسمع أشياء لا يدكها المحيطين به، فيظن أنه مختل عقليا، ويشخص الأطباء ذلك على أنه هلاوس سمعية وبصرية، وأنا أقول (لا) أيها الأطباء الأفاضل، أنتم أخطأتم في حكمكم، لأن هناك نصوص وشواهد شرعية تثبت صحة تشخيصي، وإن كانت لا تنفي صحة تشخيصكم في بعض الأحيان، لأن ما تسمونه هلاوس يكون ذلك والمريض في كامل قواه العقلية وصحته البدنية، وفي كامل وعيه وإدراكه، فمن المستحيل أن يجتمع الضدان معا، وعي وهلوسة.

 

حالات رؤية الجن




(التجسد):
والتجسد هو أن يظهر الجني في صورة جسد محسوس ملموس فتراه ويراه كل من حولك، سواء كان على صورة حيوان أو إنسان أو في صورة وحش مخيف ومرعب، فهذا يعني أن ما رأيتموه جميعًا حقيقة ملموسة وليس خيالاً أو وهما، فلو وهم أحد المشاهدين فيستحيل أن يسري الوهم على مجموعة من البشر مجتمعين في نفس الزمان والمكان، فظهور الجني للإنس هو من قدرات الجن، أما رؤية الإنسي للجني فليس من جملة قدرات الإنس، وهذا يعني أن للجن حيلة ما تتوافق مع قدراته الفائقة على قدرات الإنس تمكنه من أن يراه الإنسي إذا أراد الجني للإنسي أن يراه.

وضع في الاعتبار أن ظهور الجني في عالم الإنس بشكل مروع كما في صور الغيلان والسلعاة يعني أنه شيطان ساحر، فعن أبي شيبة (أن الغيلان ذكروا عند عمر بن الخطاب فقال: (إن أحدًا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، لكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا).( ) وظهور الجني يعني أنه فقد 90% من جملة قوته كجني، أي أنه صار في حالة ضعف، والشاهد أن أبو هريرة رضي الله عنه لما أمسك الشيطان خاف منه الشيطان وكشف له عن فضل آية الكرسي، ولأن الآذان مطردة للشيطان فعليك بترديد الآذان ومهاجمته، أما إذا ظهر في هيئة عوامر أو حيات فحرج عليه ثلاثة فإن انصرف وإلا فاقتله حسب النص الشرعي.

عن الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود لقي رجل من أصحاب محمد رجلا من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلا شخيتًا، كأن ذريعتيك ذريعتا كلب، فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله، إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثانية، فإن صرعتني علمتك شيئا ينفعك، قال: نعم، قال: تقرأ (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح، قال أبو محمد: الضئيل؛ الدقيق، والشخيت؛ المهزول، والضليع؛ جيد الأضلاع، والخبج؛ الريح.( )

الاتصال البصري وأدلته:
من الشواهد على تجسد الجن للإنس عيانا، قال تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48].

قال ابن كثير في تفسيره: (وقال محمد بن إسحاق: حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس؛ أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فلما حضر القتال ورأى الملائكة، نكص على عقبيه، وقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) فتشبث به الحارث بن هشام فنخر في وجهه، فخر صعقا، فقيل له: ويلك يا سراقة، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا. فقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني علي بن الحسن قال: إن أول خبر قدم المدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة كان لها تابع من الجن فجاءها يومًا فوقع على جدارها فقالت: مالك لا تدخل؟ فقال: إنه بعث نبي حرم الزنا، فحدثت تلك المرأة عن تابعها من الجن فكان أول خبر حدث بالمدينة عن رسول الله. ( ) وروى البيهقي بسنده عن جابر قال: أول خبر قدم المدينة عن النبي أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع من الجن فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارها فقالت له المرأة: انزل نخبرك وتخبرنا قال: لا، إنه بعث بمكة نبي منع منا القرار، وحرم علينا الزنا.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال: فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟) قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال: (أما إنه قد كذبك وسيعود)، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟) قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: (ما هي؟)، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟)، قال: لا قال: (ذاك شيطان).( )

فالشيطان تبدى لأبي هريرة رضي الله عنه ثلاثة ليال، وقد أمسك به وتحاور معه، أي أنه رآه وسمعه، بل وقد لمسه بيده أيضًا فأخذه ليرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يستطيع أبو هريرة أن يميز كونه من الجن إلا بعد ثلاثة أيام عندما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة كونه شيطان، إذًا فالجن يمكن أن يتبدوا على صورة الإنس فلا نستطيع تمييزهم عن غيرهم من الإنس، فلو كان للشيطان حينئذ شكل مميز ومختلف عن شكل الإنس لفزع منه أبو هريرة رضي الله عنه، أو لاستعاذ بالله منه ومن شره، وهذا لم يثبت عنه في النص.

عن أبي سعيد الخدري قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بالمدينة جنًا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان).

وفي رواية أخرى قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه فإنه كافر)، وقال لهم: (اذهبوا فادفنوا صاحبكم).( )

الاتصال السمعي وأدلته:
قال تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (البقرة: 102) وهذا شاهد قوي على إمكان ظهور الجن للإنس وليس رؤية الإنس للجن، فالتدريس والتعلم لا يتمان إلا من خلال وسائل اتصال حسية، أي عن طريق السمع والبصر، وهذا يقتضي أن الشياطين كانت تتصل باليهود سمعيا وبصريا، بل وحسب نص الآية (مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ) فقد جزمت الآية بأن الاتصال السمعي على وجه الخصوص، لأن التلاوة تقتضي السماع بلا منازع في هذا القول.

كما تتنزل الشياطين على الكهنة فتقرقر في آذنيه بما استرقوه من السمع، وهذا من خلال وسيط من الجن حاضر على جسده، قال تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) [الشعراء: 220: 223]، فالسحرة يسمعون الشياطين،

فعن عروة بن الزبير قالت عائشة رضي الله عنها سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: (إنهم ليسوا بشيء)، فقالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقا قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة).( )

فالقرقرة أسلوب لا يتفق وطبيعة الإنس، لأن (القر: ترديدك الكلام فـي أذن الـمخاطب حتـى يفهمه. و قَرُّ الدجاجة: صوتُها إِذا قطعته، يقال: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرّاً و قَرِيراً. فإِن رددته قلت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، ويروى: كقَزِّ الزجاجة، أَي كصوتها إِذا صب فـيها الـماء). ( ) فالقرقرة تتصف بسرعة في الإلقاء تتفق وقدرات الجن، إذًا فعندما يلقي الشيطان كلماته بسرعة، هو يلقيها إلى شيطان آخر حاضر إلى جسد الساحر، قادر على استيعاب القرقرة، ومن خلاله هذا الشيطان الوسيط يسمع الساحر كلام مسترق السمع.

قالت عائشة: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلمعن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة). ( )

عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقا قال: (تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة).( )

عن عائشة رضي الله عنها قالت: هزم المشركون يوم أحد هزيمة تعرف فيهم فصرخ إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه فقال: أبي أبي قالت: فوالله ما انحجزوا حتى قتلوه فقال: حذيفة غفر الله لكم قال: عروة فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية خير حتى لقي الله.( )

عن كعب بن مالك قال: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم تتابع القوم، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب، والجباجب المنازل، هل لكم في مذمم والصباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ قال علي يعني ابن إسحاق: ما يقوله عدو الله محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب، اسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك).( )

فهذا الحديث شاهد على إمكان ظهور الجن عيانًا خاصة في صورة الهوام كالحيات وغيرها، بحيث يراه جميع الحضور، وغير ممتنع على إطلاقه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم منهم شيئًا)، وشاهد آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: (إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام رب (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسيا).( )

عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل، فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها، قال عمر: صدق بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه، يقول: يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي. أخرجه: البخاري (3577). ( )

(الكشف السمعي والبصري اليقظي والمنامي):
وهو ما يطلق عليه الأطباء النفسيين مسمى (هلاوس سمعية وبصرية)، فمن علامات المس ما يراه البعض من أشخاصٍ وأشباحٍ، يقظة ومنامًا، وقد يسمعهم يكلمونه ويخاطبونه، أو يصرخون ويصيحون ويضحكون ويبكون، وهذا يسمى (الكشف البصري والسمعي)، وهذا ما يتم في أثناء عقد الجلسات، وللأسف أن المريض يظن أن المعالج ساحرًا يخيل له ما يراه، وبالتالي يفر منه على اعتبار أنه دجال، والحقيقة أن هذه الرؤى أمر طبيعي يتم نتيجة اتصال عين الجن المتلبس بالجسد بعين المريض، ومركز الإبصار في مخ الجني مع مركز الإبصار في مخ الإنسي، هذا إذا حضر الجن على جسد الممسوس، وبالتالي يرى المريض نفس ما يراه الجن، وهذا مما يساعدنا على اكتشاف ما يحدث للجن أثناء الجلسات، وبالتالي نحصل على معلومات هامة عن مدى تطور الحالة، فهذا من إيجابيات (الكشف البصري)، كما أنه أمر سلبي قد يؤرق المريض ويقلقه، وهذا لا يتم تبعًا لإرادة الجن، ولكن بعد تأثره بالدعاء المخلص لله تعالى، ليرى المريض بواسطة عين الجن ما لا يراه الشخص الطبيعي، فإذا شفي المريض من المس انتفى عنه إمكان هذه الرؤى نهائيًا.

فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: (ما ترى؟) قال: أرى عرشًا على الماء أو قال: على البحر حوله حيات، قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك عرش إبليس).( )

فابن صائد وهو في شبه الجزيرة العربية، رأى عرش إبليس على الماء أو البحر، رغم المسافة البعيدة بين المكانين، وقد كان ساحرا، ويظن انه الدجال .

حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بابن صياد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال: (أتشهد أني رسول الله؟) فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالله وبرسله) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يأتيك؟) قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خلط لك الأمر) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئا) وخبأ له ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) فقال ابن صياد: هو الدخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك) فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لا يكن هو فلا خير لك في قتله). ( )

حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال لقيه رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة فقال له رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فقال هو أتشهد أني رسول الله فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم آمنت بالله وملائكته وكتبه ما ترى قال أرى عرشا على الماء فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذبا أو كاذبين وصادقا فقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لبس عليه دعوه). ( )

القسم الأول: (الكشف البصري والسمعي المنامي):
وإذا رأيتهم في حالة (غيبوبة) بين النوم واليقظة، فهذا يسمى (كابوس)، وهو يتم حقيقة وليس تخييلاً، وأحيانًا يكون تمثيل وتصوير بهدف التمويه وتضليل المعالج، وتفسير ما تراه وتصنيفه متروك لخبرة المعالج وتقديره، فعليك بالآذان ومهاجمته، وأبلغ المعالج بما تراه.

ويحدث الكشف البصري والسمعي والإنسان في حالة ما بين النوم واليقظة، فلا يكون مستغرقا في النوم بأي حال من الأحوال، حتى ولو بدى له ذلك، حيث يتفاعل الرائي مع كل ما يراه في هذا الكشف، فيتفاعل مع الأحداث ويغير من مجرياتها، وربما خاطب الجن وخاطبوه، بل ويمتد الأمر إلى حد قتالهم، ودفع ضررهم وعدوانهم.

القسم الثاني: (الكشف البصري والسمعي اليقظي):
ويتم الكشف البصري والسمعي اليقظي على حالتين، الأولى والرائي مفتوح العينين، والأخرى وهو مغمض العينين.

الإبصار والعينين مفتوحتين:
إذا رأيت الجن وحدك وأنت مفتوح العينين، ولم يره المحيطين بك، فهذا يسمى (تمثل)، ويعني أن الجن ماثل أمامك خارج الجسد، بشرط أنك إذا أغمضت عينيك لم تره، وهنا عليك مهاجمته، أو ردد الآذان إذا خفت منه، فسوف يجري وله ضراط، أو على أقل تقدير كرر التكبير والبسملة.

قال تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) (مريم: 17)، ورؤية الملك كانت قاصرة عليها تراه وحدها فلا يراه غيرها، وهذا هو مفهوم التمثل، وهذا شاهد على أن الملائكة قد تتمثل للصالحين من عباد الله.

وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال أن الشياطين ستتمثل في صورة الإنس: (وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أنى ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بنى اتبعه فإنه ربك..).( )

الإبصار والعينين مغمضتين:
إذا رأيت الجن يقظة وأنت مغمض العينين فهذا يعني أن من تراه من الجن موجودون داخل جسدك، فعليك بترديد الآذان ومهاجمته، ويمكن لك في هذه الحالة رؤيته أيضا إذا فتحت عينينك، ولكن تكون الرؤية باهتة نوعا ما، وليست في درجة وضوح الرؤية حين إغماض العينين، وربما تبهت إلى درجة ينعدم معها الإبصار تماما، فهي على درجات.

لذلك نعمد كمعالجين إلى أن نطلب من المريض إغماض عينيه، ربما أمكن الاستفادة من المكاشفة هنا في الحصول على معلومات تشخيصية تفيد في علاجه، وتنبئ المعالج إلى مدى تطور علاج المريض، فقد يموت شيطان فيرى المريض لك ويخبر به المعالج، فهذا دليل على أننا نجحنا في خطوة من العلاج، وقد يرى المريض الشيطان أمامه، فتبدو عليه علامات يعرف منها دينه وملته وقوته وجنسه ومواطن ضعفه وقوته، وتفضح مراوغاته وألاعيبه.

من الممكن أن يتلاعب الجن بعين المريض، فيخيل له ما يروع به فؤاده، أو من لا دراية له بالتعامل مع الجن، إلا أن هذا الدور المضلل يتقلص كثيرًا مع خبرة المعالج المحنك، وينعدم بالتزام الضوابط الشرعية التي من المفترض إلمام المعالج بها، والمريض يستطيع أن يفرق بين تخييل الشيطان وبين الحقيقة، فإذا شعر المريض بقسوة وغلظة في القلب، فاعلم أن هذا من تخييل الشيطان، وإن شعر بانشراح صدره فما يراه حقيقة وليس تخييلاً، وفي كثير من الأحيان ذا كان هناك ساحر يتابع مجرى أحداث الجلسات عن طريق الكشف البصري، ففي مثل هذه الحالة قد يصنع للمريض (سحر تخييل) ليضلل به المعالج، وخلاف ذلك فقد يصنع للمريض (سحر طمس) فينطمس سمع وبصر المريض ويتوقف الكشف السمعي والبصري، وهما من أهم الأدوات المساعدة للمعالج في إنجاز الجلسات الناجحة، وفي الحصول على المعلومات التي يحتاجها إكمال مسيرة العلاج، ففي حالة توقف الكشف البصري على المعالج أن يقوم على الفور بالدعاء بإبطال (سحر الطمس)، أما في حالة التعامل مع سحر التخييل فعلى المعالج توجيه ضربات مؤلمة إلى الساحر، وإعادة تحصين المكان ضد أسحار التجسس والتصنت.

(الحلم):
أما ماتراه في أثناء الإستغراق في النوم، فهذا يسمى (حلم)، وهو تخييل من الشيطان وتلعب، وعندها لا تستطيع الاندماج مع الحلم، كما في حالة الغيبوبة، وهذا لا يهمنا معرفته، ولا تخبر به أحد، فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام).( )

لا داعي مطلقًا للخوف من قتال الشيطان، وعموم رد عدوانه بما شرعه الله تعالى، هذا إذا ظهر أو بدا للمريض، قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175]، ولو وجد الخوف من الشيطان لما نصر الله معالجًا على شيطان أبدًا، ولتلبست به الشياطين فصرعوه، فكيد الشيطان سمته الضعف، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76]، اللهم إلا الخوف الفطري، والذي يتبدد بلزوم الاستعاذة والأذكار المسنونة، لأن الله هو الذي يدافع عن المؤمنين، ويخسأ شياطينهم، وليس الجن المسلم أو غيرهم كما يزعم الكهان، ممن لهم تابعًا من الجن زعموا أنه يدفع عن المسلمين شر شياطين الجن!! وهذا شرك لا مراء فيه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38]، فالله وحده الناصر عليهم، وهذا ليس في قدرة أحد من خلقه، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39].

ويستثنى من جواز قتال الشياطين قتال عوامر البيت من الحيات والهوام، فربما كانت جنًا مسلمًا ظهر لأمر عرض له، أو لحاجة له بذلك، فعن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن اجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة)، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا ادع الله يحييه لنا فقال: (استغفروا لصاحبكم) ثم قال: (إن بالمدينة جنًا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان). وفي رواية أخرى قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا، فإن ذهب، وإلا فاقتلوه فإنه كافر)، وقال لهم: (اذهبوا فادفنوا صاحبكم).( )

فإذا كان جنًا مسلمًا انصرف عنا، أما إذا لم ينصرف فقد أصر على العدوان، وتأكد لنا كفره وأنه شيطان معتدي، ووجب علينا قتل الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإلا فاقتلوه فإنما هو شيطان [كافر])، والشيطان لا سبيل له للاعتداء على من أقدم على قتله،

أما إذا اعتدينا على جن مسلم بغير وجه حق فقد استوجب القصاص ممن خالف الضابط الشرعي في التعامل بيننا وبينهم بالتحريج أو الآذان، وأمكن أن يعتدي علينا، وهذا ما جرى للفتى، فلم تعذره الجن بجهله بالحكم الشرعي لقتل الجن، إذًا فمن فرط في الضوابط الشرعية والأذكار المسنونة لن تعذره الجن وستتلبس به ولا بد، حيث انقضت عليه الحية فأجهزت عليه، فربما كانت الحية من الجن المسلم فانقضت عليه لأنه لم يحرج عليها.

وفي الأثر ما يؤكد ظهور الجن المسلم للإنس لمصلحة أو منفعة ما، (…فبينا رجل من المسلمين قد خرج في بعض حوائجه، فرجع إلى المدينة ليلا فمر به راكب في الليلة الثالثة من يوم نهاوند يريد المدينة، فقال يا عبد الله من أين أقبلت قال من نهاوند قال: ما الخبر، قال: الخبر خير، فتح الله على النعمان واستشهد، واقتسم المسلمون فيء نهاوند، فأصاب الفارس ستة آلاف، وطواه الراكب حتى انغمس في المدينة، فدخل الرجل فبات، فأصبح فتحدث بحديثه، ونمى الخبر حتى بلغ عمر، وهو فيما هو فيه، فأرسل إليه، فسأله، فأخبره فقال: (صدق، وصدقت، هذا (عثيم) بريد الجن، وقد رأى بريد الإنس فقدم عليه طريف بالفتح بعد ذلك فقال الخبر)

وفي منصف أبن أبي شيبة / كتاب الإيمان والرؤيا / رُؤْيَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانًّا فَأُتِيَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقِيلَ لَهَا : أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْت مُسْلِمًا ، قَالَتْ : فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهَا : مَا تَدْخُلُ عَلَيْك إلَّا وَعَلَيْك ثِيَابُك ، فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً وَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .

مسند الحارث بن أبي أسامة كتاب الصيد والذبائح وما أمر بقتله باب في جنان البيوت حدثنا روح بن عبادة ثنا حاتم بن أبي صغيرة ثنا عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة بنت طلحة حدثته أن عائشة أم المؤمنين قتلت جنانا فأريت فيما يرى النائم فقيل لها والله لقد قتلت مسلما فقالت والله لو كان مسلما ما دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها وهل كان يدخل عليك إلا وأنت متجلببة أو مخمرة فأصبحت وهي فزعة فأمرت باثني عشر ألفا فجعلتها في سبيل الله عز وجل