قَطْفُ الْزَّهْو
فـي
أحكام سجود السهو
تأليف
الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعةالأولى1402 ـ الطبعة الثانية 1412
O
المقدمة
الحمدُ الله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، من يهْدِهِ الله فلا مضلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
أما بعد
فهذه الطبعةُ الثانيةُ لأوَّلِ أعمالي العِلْميةِ خروجاً إلى النور ، بعدَ أن طُبِعَ طبعةً قليلةً جداً ورديئةً جداً معاً ، وقد طلبَتْ دارُ فواز بالإحساءِ - جزى الله أصحابها خيراً ونفعَ بهم الإسلامَ والمسلمين - إعادةَ طباعتِها ليعُمَّ بها النفعُ ، حيث أن الطبعةَ القديمةَ على ما فيها غيرُ متوفِّرَةٍ في الأسواقِ ، فرحَّبْتُ بذلك مسروراً لأن ذلك كان يراودًني ، إلا أنني كنتُ أُحجِمُ عنه لكونِ الرسالةِ في حاجةٍ إلى صياغةٍ جديدةٍ ليسهلَ على القراءِ استيعابَها ، وبالطبعِ تحتاجُ أيضاً إلى إعادةِ نظرٍ للاطمئنانِ على ما قرَّرْتُه فيها من أحكامٍ ، وقد حاولتُ رغمَ ضيقِ الوقتِ شيئاً من ذلك ، وما لا يدركُ جُلُّه لا يترَكُ كلُّه .
هذا وقد أضَفْتُ إلى الرسالةِ بعضِ الإضافاتِ المفيدةِ ، لا سيَّما الورقة التي كانت توزَّعُ مع الطبعةِ القديمةِ ملحقةً بمسألةِ جبرِ السجودِ للأركانِ ، والتي وصلني عن بعضِ الأخوةِ أنه ظنَّ وجودَ إجماعٍ على خلافها ، فالملْحَقُ كان مبيِّناً لبطلانِ هذا الظنِّ شكلاً ومضموناً ، ورحِم الله الإمامَ أحمد إمامَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ إذ يقولُ : [ من ادَّعى الإجماعَ فقدْ كَذَبَ ] .
ومسألةُ ادِّعاءِ الإجماعِ في مسائلِ الخلافِ مشهورةٌ ، ويكفي طالبَ العلمِ أن يطالِعَ ما يسَجِّلُه الحافظُ ابنُ حجرَ في الفتحِ مستدرِكاً على ابنِ بطالٍ وابنِ المنذرِ والنوويِّ وغيرِهم حكايةَ الإجماعِ في بعضِ المسائلِ الفقهيةِ ، وما في كتابِ نقدِ الإجماعِ لشيخِ الإسلامِ علامةِ الدهرِ ابنِ تيميةَ مستَدْرِكاً على ابِن حزم - رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً - بعضَ المسائلِ التي نَقلَ فيها الاتفاقَ أو الإجماعَ .
ثم لِيعلَمْ القارئُ أن مسألةَ الإجماعِ وتعريفَه وحدَّه من المسائلِ التي اختَلَفَ فيها أهلُ العلمِ اختلافاً بيِّناً حتى وصلَ بعضُهم لنفيِ حصولِ الإجماعِ جملةً وتفصيلاً ، وذهب آخرونَ إلى أن دخولَ الجنِّ المسلمينَ في الإجماعِ لا بدَّ منه ، وذهب جماعةٌ إلى بطلانِ كلِّ إجماعٍ ما عدا إجماعَ عصرِ الصحابةِ لأنه العصرُ الوحيدُ الذي يمكن حصرَ أقوالِ أصحابِه ، وذهبَ قومٌ إلى عَدَمِ وقومِ الإجماعِ أصلاً إلا على أمرٍ عُلِمَ من الدينِ بالضرورةِ ، وعليه بنَوا كفرَ مخالفِ الإجماعِ . وفي الطرفِ الآخرِ نصَّ قومٌ على أن عملَ أهلِ المدينةِ يُعَدُّ إجماعاً ، ونصَّ آخرونَ على أن قولَ الصحابيِّ الذي لا مخالِفَ له يعد إجماعاً .
وعليه فمسألةُ الإجماعِ مسألةٌ عظيمةٌ وادعاءُ الإجماعِ في مسألةٍ ما أعظمُ وأعظمُ ، وليتَ شعري ، كيف يدَّعي مدعٍ الإجماعَ في مسألةٍ وهو لا يحفظُ أسماءَ أهلِ العلمِ ببلدِه فضلاً عن أقوالِهم فكيفَ بأهلِ العلمِ على وجهِ البسيطةِ ، وإنما اعْتَمَدَ من نَقَلَ الإجماعَ على عَدَمِ سماعِه لخلافٍ في المسألةِ ، وهذا لا يكفي عندَ مَنْ يعتقدُ قصورَ العقلِ البشريِّ وضعفِ الإنسانِ عن الإحاطةِ بمجْرَياتِ الأمورِ في الكونِ حولَه ، ومنذ وقتٍ طويلٍ ونحنُ نسمعُ من ينقُلُ أنَّ ابنَ حزم - رحمه الله - لم يعرفْ الإمامَ التِّرمذيَّ وحَكَمَ بجهالتِه ، وعلى فَرَضِ صحةِ ذلك النقل - فإني لم أجدْ مَنْ ذَكَرَ موضعَه في شيءٍ من كتبه - فالإمامُ معذورٌ فأين ترمذ من الأندلس ؟ وقد قال تعالى حاكياً حالَ الكافرِ من قرينِ السوء ¼ ð?`~VÕHTWTÿ øYTÞ`~WT? ðÐWTÞ`~WT?Wè W?`ÅST? XÜ`kTWTÎX£`WÙ<Ö@? ð¨`LùY?WTÊ SÝÿX£WÍ<Ö@? » . فما أبعدَ ما بينَ المشرقين ! .
ورحم الله الإمامَ مالكٍ ، فعلى الرَّغمِ من سعةِ علمِه ووُفورِ اطّلاعِه قال لما أرادَ المنصورُ أن يجمعَ الناسَ على كتابِه الموطأ : [ إن الناسَ قد جمعوا واطَّلعوا على أشياءٍ لم نطَّلِعْ عليها ] .
وبعد ، فإنَّ كلَّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ ؛ دمُه ومالُه وعِرضُه ، وإن العلمَ رَحِمٌ بينَ أهلِه ، وإن أولى الناسِ أن يبتعدَ عن الغيبةِ والوقعيةِ بالظنِّ الباطلِ هم طلبةُ العلمِ والمنتسبون إليه ، وإن من حقِّ المسلمِ على أخيه أن ينصَحَه ويوجِّهَه بحبٍّ وألفةٍ ، وألا يحسدَه لشيءٍ منحَه الله ، وإنما يتمنى أن يوفِّقَه الله لمثلِ ما وفَّقَ الله أخاه ، وهذا معنى حديثِ النبي e المتَّفّقِ عليه : " لا حسدَ إلا في اثنتينِ ؛ رجلٍ آتاه الله مالاً فسَلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ ، ورجلٍ آتاه الله الحِكمَةَ فهو يقضي بها ويعلِّمُها ".
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ الله ربِّ العالمينَ ، وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتب
أبو الأرقم محمد بن رزق بن طر هوني
المدينة المنورة
في : 17/1/1412هـ
مقدمة الطبعة الأولى
P
الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدًه ورسوله .
أما بعد
فلما كان الفقهُ بحراً من بحورِ العلمِ التي خاضَ غمارَها العلماءُ ، وغاصوا فيها ، فخرجَ كلٌّ منهم بما وفَّقَه الله إليه ، وجاءَ من بَعدَهم ينهَلون من ينابيعِ عِلمِهم ، وجَدْنا أنهم قد اختَلفوا في أشياءَ كثيرةٍ .
وكان مما اختلفَ فيه أهلُ العلمِ والفضلِ ، مسألةُ سجودِ السَّهوِ وما يتعَلَّقُ بها من أحكامٍ .
فكتبتُ هذا المبحثَ اللّطيفَ لكي أستفيدَ منه أولاً ، ثم ليستفيدَ منه غيري ثانياً ، آملاً أن يجدَ فيه القارئُ ما يَشفي غليلَه . وأرجو من الله أن أكونَ قد وُفِّقْتُ فيه إلى الصوابِ ، وهذا على قدرِ عِلمي ، ومن وجدَ فيه نقصًا أو خطأً ، فلينصَحْني لكيْ أستدرِكَه ، وجزاه الله خيراً.
وقد سمَّيتُه ( قطف الزهو ) - والزَّهوُ هو الرُّطَبُ أولَ احمرارِه - لجِدَتِه في أسلوبِه ، ولأنه أولُ بحثٍ - فيما أعلم([1]) - أُفرِدَ لسجودِ السهوِ ، ووضَّحتُ فيه الحقَّ مدعماً بالأدلةِ من كلامِ المعصومِ e ، وأردَفْتُ ذلك بأسماءِ من سبقني من أهلِ العلمِ ، من غيرِ تعصُّبٍ ولا هوىً إلا العضَّ بالنواجِذِ على السنةِ الصحيحةِ الثابتةِ على ضوءِ ما قاله علماءُ الأمةِ من غيرِ تحيُّزٍ لأحدِهم دونَ الآخرينَ ، ومن غيرِ إحداثِ رأيٍ جديدٍ .
والحقُّ ما وافقَ التنزيلَ ، والله الموفقُ والهادي إلى سواءِ السبيلِ .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
([1]) كان هذا الكلام في عام 1402هـ ، وقد وقفت بعد هذا التاريخ بمدة على رسالة في نفس الموضوع لفضيلة الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين ، ثم وقفت مؤخراً على رسالة باسم ( كفاية الأخيار ) في الموضوع ذاته للأخ مصطفى بن محمد طبعة عام 1409هـ .