قصة التعذيب التي تعرضت لها في سجن عسير وكدت أموت بسببها

 

 

أرسلت إدارة التحقيقات لغرفتنا جاسوسا من الشباب المعتقلين ممن انهار تحت وطأة التعذيب والتخويف والأحكام الفلكية واستجاب لهم ليكون عينا على إخوانه عله يخفف عنه بالإضافة للإغراءات المالية وغيرها .

هذا الجاسوس يدعى عبد الكريم محيي الدين ويكنى بأبي صالح أثيوبي الجنسية وقد كان هذا الشخص معقدا بسبب لونه الأسود كما أنه لايفهم ولايتحدث العربية جيدا وإنما يلحن فيها لحنا شديدا وقد افتضح بين الشباب بأنه جاسوس مما أحدث له زيادة في التعقيد وجعله يحاول نفي ذلك بأي طريقة كما أنه يفسر كثيرا من الأفعال على أنها مرتبطة باعتقادنا أنه جاسوس .

فكلما سمع أحدا يردد بيت شعر أو يشير لشيء أسود أو نحو ذلك خيل إليه أنه يعرض به فينادي الحرس ويحدث ضجة ينصرونه مهما كذب وادعى لكونه مصدقا عندهم .

وقد تعرف علي عند مجيئه للغرفة وأخذ يخبرني بأشياء عني ورفض إخباري بمن الذي أخبره في بداية الأمر وقد وقفت في صفه عندما رفض بعض الشباب دخوله غرفتنا لمشاكله المشهورة ولمعرفتهم به وقلت لهم أعطوه فرصة واستجاب لي الإخوة مما جعله يطمئن لي ثم أخذ يتقرب إلي ويحاول مجالستي ويدعي رغبته في طلب العلم عندي ونظرا لطريقتي المنضبطة في التعليم لم يستطع المتابعة لكنه كان يسألني بين الحين والآخر أسئلة يتذاكى فيها حتى اطمأن لي تماما فأخبرني بالحقيقة التي كلنا كنا نعرفها أصلا .

فقد قال لي أنه مرسل لي شخصيا من قبل التحقيقات مع ملاحظة أيضا لبقية الغرفة حيث إن الجميع مقرر له إطلاق السراح وصارحني أن المعلومات التي عنده عني من الضابط المكلف وأنه مطالب بكتابة تقريرات عني بالتفصيل عن كل ما أفعله بالغرفة حتى صلاتي وصيامي وقراءاتي وأنه كتب عني ثمان صفحات أسئلة في جلسة مع ثلاثة من الضباط منهم مدير السجن وأنه كلما قال لهم الطرهوني معكم وفي صفكم ومثل هذا الجدار الأبيض يقولون له : إنه يخدعك ويضحك عليك . وجمعوه بالجاسوس السابق أحمد مجذوب الذي وضعوني عنده سابقا واتفقا على الثناء علي وهم لايصدقونهما ولكن لم يستطع أحد أن يمسك علي شيئا .

أخبرني عبد الكريم أنه تقاضى مقابل مراقبتي شيكين كل شيك 45ألف ريال عن شهرين للرقابة المكثفة ثم بعد ذلك قضى معي قرابة ثمانية أشهر أخرى بالراتب العادي وهو 2000 ريال تقريبا في الشهر مما جعله يصاب بالممل ويريد الانتقال لمهمة أخرى .

وقد من الله على أحد شباب الغرفة بتجهيزات إطلاق السراح فالتقى بالمحقق فإذا به يقول له : لماذا أتعبت صاحبنا ؟ نائم طول الوقت ؟ فقال له : أنتم ما أرسلتم إلا واحد أبله إذا خاصم أحدا يقول له : أنا فداء الحكومة !! وأنا لو عندي شيء كان ظهر لكم وأنت تعرفون صراحتي معكم أصلا فلا داعي لأن ترسلوا لي جاسوسا .

كان عبد الكريم كثير التخاصم مع الأخ أبي مسلم العراقي حيث كان يفهم كلامه دائما بطريقة عكسية وقد أخبرني عن قضيته أمورا عجيبة لا يعلمها إلا محققه حيث كان أصلا أبو مسلم لا يتكلم بها أكثر من سنة معنا .

وكذا أخبرني عن أخ أفغاني كذلك وعن الصيدلي المصري أبو عمر وعن آخرين كانوا معنا حيث كان يعرف قضاياهم جميعا بالتفصيل .

ذات مرة ذكر أبو مسلم ولدي المقداد أثناء حوار بيننا عابر فجاءني عبد الكريم يقول لي : ياشيخ أرأيت كيف أبو مسلم يفتعل المشاكل معي فقلت كيف يا أبا صالح قال : يعرض بي ..يذكر ولدك المقداد لأن اسمه المقداد بن الأسود يريد معايرتي لأني أسود !!!

كنت أحيانا أمازح الشباب وأردد بيت شعر يقول :

               يارب لاتسلبني حبها أبدا                    ويرحم الله عبدا قال آمينا

فذات يوم تنهدت فقال هذا البيت أبو مسلم يمازحني فإذا بهذا المريض يقول لي : أرأيت كيف أبو مسلم يعرض بي

يقصد أن أحب الحكومة لأنها تعطيني فلوسا وأني جاسوس

المهم في تلك الليلة المظلمة من ليالي الاعتقال لم يهدأ له بال حتى طلب فرقة الطوارئ الساعة الثانية بعد منتصف الليل واتهم الأخ العراقي ومعه الأخ الأفغاني أنهما متواطئان عليه ويتهمانه بأنه جاسوس ويسيئون معاملته فسألوه والشيخ معهم فقال : لا الشيخ ماله دخل فيهم فماكان منهم إلا أن أهانوا الرجلين وعاقبوهما ولما أعادوهم جميعا إلى الغرفة جاء معهم الكلب محمد المبارك وأصدر أمرا لجميع الغرفة بعدم الحركة من الفراش بل عدم التقلب عليه حتى الفجر وإلا فالعقاب الصارم .. فقلت له : يا أخ محمد هذا وقت السحر وهو وقت صلاة وذكر ودعاء ونريد دخول الدورات للتجهز للصلاة فقال : مافي صلاة اليوم حتى الفجر أي حركة قبل أذان الفجر سوف ترون .

وكعادتي لم أكن أحب أن يهينوني هؤلاء الحثالة لأني ربما أخرج عن طوري وأورط نفسي معهم فكظمت غيظي وتصبرت .

 في الليلة التالية كنت نائما فإذا بصوت الباب يدقه عبد الكريم ويطلب الطوارئ فقمت لأهدئه كالعادة لأنه يستجيب نوعا ما لي فإذا به يقول للعسكري : هذا هو الشيخ سبب مشاكل الشباب معي يفتيهم أني جاسوس وأستحق القتل وأنا سمعته يقول ذلك ؟؟ فصعقت وقلت : سمعتني أقول ذلك يا عبد الكريم ؟؟ أنت صاحي ؟؟ فقال : نعم .

وذهب العسكري وجاء الرقيب ولمعرفتهم بي وبأسلوبي الحسن معهم أرجأوا الأمر وأخذت ألوم عبد الكريم على كذبه علي وأنه ورط نفسه حيث أخبرني أنه كتب في تقريره عني كلاما جيدا فقال لي : هذا لايؤثر وقت المشاكل لا يلتفتون لما يقال .. طبعا لم أقتنع .

وفي اليوم التالي بعد العشاء عاد لدق الباب وتكرار الكلام فجاء ذاك الخبيث أيضا محمد المبارك مع الفرقة وإذا بهم لا يمهلوني أنا والعراقي وأخرجونا من الغرفة مع عبد الكريم بالقيود والكلبشات والغمة وقوفا ووجوهنا للجدار وأخذ يسأل واحدا واحدا ولما جاءني قلت له : يا أخي الكاميرات والتسجيل عندك راجعها وإذا وجدت علي أي مؤاخذة افعل ماشئت .. فقال : كل شيء واضح في التسجيل .. فقلت له : لو كان كذلك لما أخرجتنا ولشكرتني أنني دائما أهدئ الوضع في الغرفة كما طلب مني الضابط أكثر من مرة

أخرجوني في تلك الليلة الباردة حيث درجة الحرارة فيها تحت الصفر فوق جبل بعقبة شعار في الليل

من الساعة العاشرة مساء وحتى الثانية بعد منتصف الليل وألزموني بالوقوف حافيا على صبة خراسانية في ثوب خفيف مفتوح الصدر مقيدا مكلبشا مغمما وبحيث لا أحرك قدمي من مكانهما ولأول مرة أواجه هذا الجو منذ أكثر من خمس سنوات

ولم يراعوا سني وما أعانيه من ارتفاع الضغط الشديد وكدت أقتل وجاءني أكثر من ضابط ومنهم خبيث طعنني في صدري وهو يكلمني ومنهم مدير السجن وكل واحد يقول : الطرهوني ؟؟ معقول أنت يصدر منك هذا ؟؟ هذا يؤخر خروجك .. أنت معروف بالخلق الحسن لماذا هذا الذي حصل ؟؟ فأقسم لهم أنه لم يحصل أي شيء أصلا وأن علاقتي بعبد الكريم ممتازة جدا ولا أدري ماهذا !!

ولم يكتفوا بتعذيبي بل أتوا لي بورقة طلبوا مني التبصيم عليها ولم يرفعوا الغمة فأردت أن أرى الورقة فقال لي العسكريان هل تظن أننا نكذب عليك هذا كلامك الذي قلته آنفا

فأوشكت أن أبصم ثم لمحت الكتابة من أسفل الغمة فإذا بها أنني فعلت المشاكل لأني لا أريد عبد الكريم معنا في الغرفة لأنه جاسوس  فقلت: أنا قلت هذا ؟؟ ما تخافا الله ؟؟ والله لا أبصم لو تطيرا في السماء .

أخذوني أخيرا وأنا في حال يرثى لها ولولا لطف الله كنت مت في تلك الليلة وأجلسني المجرم محمد المبارك وجلس يثني علي ثم جعلني أوقع على تعهد بألا أتحدث مع العراقي ولا ألمح بأي تلميحات أو إشارات تفهم فوقعت لأكتفي شرهم بعدما أفهمته بطريقتي أن ظلمه لي لن يمر هكذا لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو يستخف بما أقول

بعد ذلك جاءني عبد الكريم واتعذر لي اعتذارا شديدا وقبل قدمي وأنا قلت له لاتكلمني بعد ذلك ولا تخدمني في شيء حيث كان يحرص على خدمتي يبسط لي السجادة ويجهز لي التمر للفطور إذا كنت صائما وغير ذلك وجلست الفترة التالية لا أكلم أحدا في الغرفة حتى لا يفسر كلامي على معان أخرى وقدمت شكوى لإدارة السجن ولوزارة الداخلية عن طريق السجن وبالبرقيات عن طرق أهلي ولكن لا حياة لمن تنادي