تنزيه المثاني عن نطق الضاد عند عبيد
الله الأفغاني
الحمد لله
نحمده نستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات
أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد
فقد اطلعت
فجر اليوم على رسالة بعنوان " تنبيه العباد إلى كيفية النطق بالضاد"
لفضيلة الشيخ
عبيد الله
الأفغاني حفظه الله وقد نقل لي بعض طلاب العلم عن الشيخ انتصاره لنطق
الضاد مثل
الظاء منذ فترة وبعد أن اطلعت على هذه الرسالة وجدت أن الكلام النظري
الذي جاء
فيها يختلف تماما عن التطبيق العملي المنقول عن الشيخ لم أستطع النوم
ووجدت
لزاما علي إبراز هذا التباين لتنزيه كتاب الله عز وجل عن التطبيق الخاطئ
المخالف
لنقل الكافة عن الكافة من القراء والفهم الخاطئ للكلام المنقول عن العلماء
.
ولن أطيل
فإن خير الكلام ما قل ودل وإن من البيان لسحرا
.
وبادئ ذي
بدء
فنحن لا
نختلف مع الشيخ في جل ما نقل من كلام نظري وإنما نختلف معه في أمرين
:
أولا : فهم
بعض ما نقل من نقول عن بعض أهل العلم
.
ثانيا :
التطبيق العملي
لما اتفقنا
عليه نظريا .
وهذه نقاط
الاتفاق مع بعض التوضيح
:
- نحن
نتفق على أن مخرج الضاد يختلف تماما عن مخرج الظاء مع اتفاقهما في جل
الصفات حيث
تنفرد
الضاد بالاستطالة
.
- أن مخرج
الضاد من إحدى حافتي اللسان أو كلتيهما مع
ما يليه من
الأضراس العليا وأن مخرج الظاء من ظهر طرف اللسان مع أطراف الثنايا
العليا
.
- أن النطق
بالضاد من مخرج الدال والطاء خطأ محض وأن من نطق بها دالا
مفخمة أو طاء مخطئ بلا جدال وكذا من ينطقها دالا مشوبة بالغين أو
مجموعة مع غين _
ولا أعرف أحدا
يفعل ذلك _ مخطئ أيضا بلا جدال .
- أن النطق
بالضاد من مخرجها
الصحيح لا
يحسنه إلا القراء الحذقون ومن اقتدى بهم واهتم بتحرير ذلك وأن العامة
يصعب عليهم
ذلك .
- أن العرب
منهم من كان ينطق الضاد ظاء أحيانا من باب النيابة
وهذه
النقطة تحتاج إلى زيادة توضيح فنقول :
هي لغة
خلاف الأفصح ولذا لم تتضمنها
الحروف
السبعة التي نزل بها القرآن وكثير من الحروف ينوب بعضها عن بعض عند العرب
فالصاد
تنوب عن السين وقد قرئ بها في المتواتر في بعض الكلمات وذلك في مصيطر
والمصيطرون
وبسطة ويبسط ومع ذلك لم يجز أحد أن تنوب عنها مطلقا لمن أراد وكذا الدال
عن الذال
كما في ينفد وينفذ ومدكر ومذكر ولا يجوز لأحد أن يقرأ بالدال بدل الذال في
غير ما
جاءت به القراءة فهي سنة متبعة ، وبناء عليه فلا يجوز أبدا أن يقرأ القارئ
بالظاء
نيابة عن الضاد في شيء من كتاب الله تعالى إلا العاجز من العجم ومن في حكمه
كما يأتي
بيانه .
ويجدر
التنبيه هنا على أن اختلاف القراء في قراءة ظنين وضنين
ليس من هذا
الباب وإنما من باب اختلاف المعنى فالأولى من باب الظن وهو التهمة
والثانية
من باب الضن وهو الشح والبخل .
كما لا
يخفى التنبيه على أن اختلاف
التلفظ
بهذا الحرف في بعض الكلمات يخل إخلالا كبيرا بالمعنى ولا أدل على ذلك من
التمثيل
بقوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) فليت شعري إن لم يميز
القارئ بين
الحرفين كيف يتبين المراد ؟ والأمثلة كثيرة
.
- أن من
صعب عليه إخراج
الضاد من
مخرجها الصحيح فنطقها ظاء أهون ممن ينطقها دالا مفخمة أو غيرها وإن كان
كلاهما
مخطئ وأن من فعل ذلك فصلاته مختلف فيها عند أهل العلم والذي يترجح أن صلاته
صحيحة فإن
الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وعليه أن يحرص على تعلم النطق الصحيح
.
- أن العجم
الذين دخلوا في الإسلام يصعب عليهم النطق بهذا الحرف والتمييز بينه وبين
الظاء ولذا يغتفر في حقهم الخلط بينهما وهذه الفقرة ترجع للفقرة
السابقة .
- أن
جماعة من أهل العلم صنفوا كتبا لتحرير الفرق بين الحرفين ومخرجيهما
وأزيد هنا
توضيحا أن
هذه الكتب تثبت الفرق لا تلغيه كما قد يتوهمه من يقرأ كلام الشيخ عبيد
الله
.
أما نقاط
الخلاف التي لا بد من التنبه لها
:
- أن ادعاء
أن قراء مصر
والشام
جلهم يقرأ الضاد خطأ دعوى باطلة لا أساس لها بل إن أئمة الإقراء في مصر هم
العمدة في
التلقي ولا نعرف أحدا منهم ينطقها دالا مفخمة ولا نحوها أو يخرجها من
مخرج الدال
وإنما تلقينا منهم وسمعنا ممن لم نتلق عنهم وقرأنا لمن صنف منهم فكلهم
متفق على
إخراج الضاد من مخرجها الصحيح ولكنهم لا يخلطون بينها وبين الظاء لمهارتهم
وإجادتهم
للسان العربي الفصيح وصدق من قال : نزل القرآن بمكة والمدينة وقرئ بمصر
وكتب
بتركيا وحفظ بشنقيط
.
- أن القول
بأن عامة العرب يقرأون الضاد ظاء كلام
باطل لا
دليل عليه بل قلة منهم فقط كما سبق بيانه وهو خلاف الأفصح وهذا كمن يقرأ
الحاء عينا
كما روي في الشواذ : عتى حين في قوله حتى حين . وكمن يقرأ العين نونا
كما في :
إنا أنطيناك الكوثر ونحو ذلك .
- أن
الكلام في القراءات لا يؤخذ إلا
من أهل
الاختصاص فالاحتجاج بكلام الفقهاء والمفسرين وغيرهم لا يعتمد في هذا الباب
إذا خالف
كلام القراء . كما أنه لا يقبل احتجاج طالب العلم بنطق العوام في بعض
البوادي
على كتاب الله عز وجل
.
- أن
المتأمل فيمن أثار هذه المسألة يرى أنهم
قلة لا
اعتبار لهم في جملة القراء على مر عصور الإسلام بل هم في هذا المجموع لا ذكر
لهم أصلا
ولا شك أن فهمهم وأداءهم خطأ محض لا ما عليه الكافة
.
- مع
احترامي
الشديد
للشيخ فلا يعقل أن يكون المرجع في نطق اللسان العربي للعجم ويترك أصحاب
اللسان
نفسه ممن انبرى لهذا الفن ، ثم إن الشيخ مهما تنزلنا معه وهو يوافقنا أن
القراءة
سنة متبعة : على من قرأ بهذه القراءة المحرفة ؟ أخذها في بلاد العجم على
الأفغان
ولا نعرف من شيوخه إلا الرجل الذي أجازه وهو ليس من المبرزين من علماء
القراءات
ثم ياليته قرأ عليه بالقراءات إنما بعض الروايات فقط فهل يترك أئمة
القراءات
بطرقها ورواياتها لمثل ذلك ؟ وعليه فنطق الشيخ للضاد ظاء لا يعرف له سلف
فيه من
أئمة الإقراء على مر العصور ومن تأمل كبارهم في عصرنا لم يجد شيئا من ذلك
عندهم
وإنما أتي الشيخ من جهة العجمة ثم من جهة الفهم الخاطئ لكلام بعض أهل العلم
ثم خلطه
بين اغتفار ذلك لمن لا يستطيع التمييز من العوام والعجم وبين الإقراء بذلك
لطلبة
العلم واعتبارها قراءة صحيحة بل اعتبارها الأصح فبين ذلك وذاك بعد المشرقين
.
وقد ذكرني
فعل الشيخ عبيد الله بأحد مشايخنا رحمه الله كان يدرس لنا
التسهيل للهمزة بين بين عند بعض القراء فكان يحذرنا من النطق بالهمزة
هاء ويقول :
إياك أن تقرأ :
ءأنتم ، أهنتم وإنما تكون الهمزة المسهلة بينها وبين الألف . فإذا
قلنا له :
كيف ننطقها ، قال لنا : هكذا : أهنتم !!!!!! وكنا نداعبه بذلك رحمه الله
.
فقد نتفق
نظريا ولكن يبقى التطبيق محل الاختلاف
.
نفع الله
بالشيخ عبيد
الله ووفقه
لكل خير وجعل أعماله في ميزان حسناته ونأمل أن يراجع الشيخ نفسه وأن
يترك هذه
القضية التي لم يكن الصواب فيها حليفا له وألا يغضبه هذا الانتقاد من أخ
محب مشفق
.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم
.
أملاه على
عجل بعد فجر الأحد 28رمضان 1424هـ بالمدينة
النبوية
د . محمد
بن رزق بن طرهوني |